النّازحين السّوريين في لبنان: تضامن معهم وإعتراض عليهم لأهداف ضيّقة
عبد الكافي الصمدمن بين جميع المدن والمناطق اللبنانية وحدها مدينة طرابلس خرجت عن السّياق العام بما يتعلق بالنّازحين السوريين الموجودين في لبنان، بعدما شهدت في أعقاب صلاة يوم الجمعة الماضي تظاهرة رمزية نظمها حزب التحرير، رفض فيها الدّعوات التي ترفع من قبل جهات رسمية وحزبية لإعادة النّازحين السّوريين إلى بلادهم.
فمنذ نحو شهر تقريباً، تشهد مختلف المناطق اللبنانية حملات تحريضية متفاوتة ضد النّازحين السّوريين في لبنان، وتحمّلهم مسؤولية الأعباء والمخاطر والأزمات المختلفة التي يعاني منها لبنان، إقتصادياً وإجتماعياً ومعيشياً، بالتزامن مع حملات مماثلة يقوم بها سياسيون وأحزاب ووسائل إعلام فضلاً عن مواطنين، حيث باتت وسائل الإعلام المختلفة ومنصّات وسائل التواصل الإجتماعي تضجّ بمواقف تحريضية بارزة.
ومع أنّ أزمة النّازحين السّوريين في لبنان ليست جديدة، بل مضى عليها أكثر من 12 عاماً، منذ بدء عمليات النّزوح مع بداية الأحداث الأمنية في سوريا عام 2011، وكانت تتصدّر المشهد السّياسي والإعلامي مرات عديدة قبل أن تتراجع إلى الوراء، فإنّه كان لافتاً عودة الأزمة إلى صدارة الأحداث مجدّداً، واستغلال البعض هذه الأزمة لغايات سياسية ومالية داخلية وخارجية.
مراقبون ومطلّعون على أزمة النّازحين السّوريين الموجودين في لبنان لخّصوا لموقع "06News" أبرز النقاط التي استجدت حيال هذه الأزمة، وهي:
أولاً: يعتبر تعاطف الطرابلسيين مع النّازحين السّوريين طبيعياً وتاريخياً. فالمدينة التي عُرفت وما تزال على أنّها "طرابلس الشّام"، تعبيراّ على عمق الترابط التاريخي والجغرافي والإجتماعي والإقتصادي مع الجوار السّوري، ليس جديداً عليها هذا التعاطف والإحتضان للنّازحين، لكنّ اللافت في تحرّك حزب التحرير مؤخّراً، كما في مواقف وتحرّكات سابقة لقوى وشخصيات سياسيّة، بأنّ تعاطفهم مع النّازحين السّوريين جاء من خلفية سياسية تعود إلى خصومتهم مع الحكومة السّورية، أكثر منه تعاطفهم الإنساني مع النّازحين.
ثانياً: لم يعد خافياً أنّ هناك جهات سياسية مستفيدة من وجود النّازحين السّوريين في لبنان وتستغله لتحقيق مصالحها، السّياسية والمالية تحديداً، وعليه فإنّ تحرّك أغلب هذه الجهات ينبع من هذه الخلفية، وهي تعتبر بأنّ بقاء النّازحين السّوريين في لبنان يشبه "أنبوب الأوكسجين" الذي يمدّها بالطاقة والحياة وكلّ سُبل الدعم، وعليه فإنّها تتمسك ببقاء النّازحين في لبنان وترفض عودتهم، وتقدّم تبريرات مختلفة، يبدو لافتاً بأنّ هذه التبريرات تتشابه أو تتقاطع مع مواقف جهات داخلية وإقليمية ودولية تريد إستخدام النّازحين "ورقة ضغط" في الدّاخل اللبناني وفي وجه الحكومة السّورية.
ثالثاً: لا يُنكر الرافضون كما المؤيّديون لعودة النّازحين السّوريين إلى بلادهم أنّ وجودهم أرهق لبنان كثيراً، وجعله يتحمّل بسببهم أعباء تفوق طاقته على التحمّل.
إلا أنّ هذه الأزمة ليست وليدة اليوم، فمنذ الأيّام الأولى لدخولهم إلى لبنان عمد أغلب من يشكون منهم اليوم إلى الترحيب بدخولهم، لغايات وأهداف سياسية واضحة في مواجهة الحكومة السّورية، وصولاً إلى حدّ رفضهم في سنوات لاحقة عودتهم إلى بلدهم، عدا عن رفضهم وضع أيّ خطة لاستيعاب واحتواء وجودهم، قبل أن يتحوّلوا اليوم لأبرز الدّاعين لإخراجهم من لبنان، وارتفاع أصواتهم وشكواهم من تداعيات وجودهم في لبنان، ومخاطره.
رابعاً: تتحمّل الحكومة اللبنانية، قبل غيرها، مسؤولية وصول ملف النّازحين السّوريين إلى هذه المرحلة من التعقيد، وارتفاع أصوات التحريض ضدّهم بشكل غير مقبول كليّاً، لا سياسياً ولا إنسانياً، مع خلط أغلب هؤلاء بين النّازحين الذين يُشكّلون العبء الأكبر المشكو منه، والعمّال السّوريين الذين بات لا غنى عنهم في دورة الإنتاج والإقتصاد اللبناني.
وأنّ الحكومة لم تُكلّف نفسها عناء التواصل مباشرة مع الحكومة السّورية لهذا الغرض، واكتفت بإرسال موفدين، ما جعل كثيرين يعتبرون أنّ حكومة الرئيس نجيب ميقاتي الحالية تشارك في استفحال أزمة النّازحين وعدم معالجتها، إستجابة لضغوطات إقليمية ودولية تمارس عليها، وأنّ ميقاتي إستجاب لهذه الضغوطات لأسباب تتعلق بمصالحه الشخصية والمالية قبل أيّ اعتبار آخر.