الأخبار _ فلسطينيّو لبنان: أسئلة وجودية وأجوبة ضبابية
علوان فتح اللهمنذ أن حطّت طائرة الرئيس الفلسطيني محمود عباس في بيروت، ظهر 21 أيار الماضي، لم يتغيّر على اللّاجئ الفلسطيني في لبنان شيء، سوى ازدياد الأسئلة التي تؤرّقه، وتدور كلّها حول المستقبل الشخصي والعائلي والجماعي، في ظلّ غياب الأجوبة المتعلّقة بحقوقه المدنية والإنسانية على الأراضي اللبنانية وحقّه في العودة إلى فلسطين.
والأسئلة ازدادت لأنّ هناك من أراد اختزال الزيارة بالسلاح الفلسطيني، ليتحوّل إلى مادّة وحيدة للنقاش، من دون التطرّق الجادّ والعميق للحقوق المدنية والإنسانية.
تجمَع الشعبين الفلسطيني واللبناني نقاط تفاهم كثيرة، منها احترام سيادة الدولة وحقّها بممارسة سيادتها على أرضها، ورفض التوطين أو التهجير، والتمسك بحقّ العودة والهوية الفلسطينية كهوية نضالية لها الحقّ في التعبير عن نفسها إعلامياً وسياسياً وثقافياً، كما يُجمعان على التمسّك بوكالة «الأونروا» كمؤسّسة دولية شاهدة على النكبة، والضغط لتطوير خدماتها في الطبابة والتعليم وغيرها.
تسبّبت زيارة أبو مازن ببلبلة وأثارت جدلاً داخل حركة «فتح» نفسها
أمّا الدولة، فتؤكّد حفظ كرامة اللّاجئين، كما ورد في «خطاب القسم»، وترفض التوطين وتقرُّ بحقّ العودة استناداً إلى القرار 194 والقرارات ذات الصلة، بينما يوجب عليها إقرار حقوق الفلسطينيّين بالعمل والتملك... وغيرهما من الحقوق الإنسانية الأساسية.
هذه نقاط واقعية. وإشكالية الحقوق، إذا حسُنت النوايا وعُولجت بحكمة ورويّة، تنهي الكثير من الأمور العالقة، وتسمح للفلسطينيّين بالعيش بشكل طبيعي. ما سمعناه من الرئيس جوزيف عون، ومن الأطراف الرسمية اللبنانية، كلام منطقي وواضح وصريح، ومطالب لبنانية سيادية لا خلاف عليها. لكنّ الجانب الأمني طغى عليها في بعض الأحيان، ولا سيما في ما يتعلّق بسحب سلاح المخيّمات، من دون الحديث عن خصوصية أمْنها الداخلي، وحماية أهلها، في ظلّ ظروف أمنية شديدة التعقيد، إضافةً إلى عدم وضوح الرؤية بالنسبة إلى القرارات والتشريعات اللّازمة لتأمين الحقوق المدنية والإنسانية.
مشاكل فلسطينية «فتحاوية»
الرئيس الفلسطيني كان واضحاً لجهة المطالب اللبنانية، ولا سيما في ما يتعلّق ببسط سيادة الدولة على المخيّمات كما باقي المناطق اللبنانية. وهو يدرك تماماً الضغوط الدولية التي يتعرّض لها لبنان، فكانت زيارته أحد العوامل المساعدة على رفع هذه الضغوط، ولا سيما في ملفّ السلاح الفلسطيني، وفق ما ورد في البيان اللبناني - الفلسطيني المشترك، مع احتفاظه بخطابه الرافض للتوطين، والمؤكّد على حقّ العودة.
وفي الاجتماع الذي انعقد برئاسة رئيس الحكومة نواف سلام، في 23 أيار الماضي، نوقشت سُبل تنفيذ التوجيهات الواردة في البيان المشترك الذي أكّد حصر السلاح في يد الدولة اللبنانية واحترام سيادتها. كما اتّفق المجتمعون على إطلاق مسار لتسليم السلاح وفق جدولٍ زمنيّ مُحدّد، بالتزامن مع اتّخاذ خطوات عملية لتعزيز الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للّاجئين الفلسطينيّين.
كلام عباس، وما اتّفق عليه مع الدولة اللبنانية، يُفترض أن يُلزم تلقائياً فصائل منظّمة التحرير الفلسطينية، وحركة «فتح» تحديداً. لكن ما حدث هو العكس، فقد تسبّبت زيارته ببلبلة، وأثارت الجدل داخل الحركة نفسها، فسمعنا الكثير من التصريحات موقّعة باسم «العاصفة»، ومن شخصيات فتحاوية قيادية معروفة، أبرزها مسؤول اللجان الشعبية في لبنان الدكتور سرحان سرحان، الذي طرح مسألتين في غاية الأهمّية، تدلان ربما على حالة تفكّك في صفوف «فتح»، وعلى تناقض واضح في خطابها.
فمن جهة استشهد سرحان بكلام الرئيس الفلسطيني، ومن جهة أخرى، اقتبس كلاماً نسبَه إلى الشهيد صلاح خلف (أبو أياد)، قال فيه: «مين الأهبل اللي بدو يسلم بندقيّته وما يزال هناك احتلال إسرائيلي»، مؤكّداً أنّ بوصلة السلاح الفلسطيني هي العدو الإسرائيلي. وأوحى بأنّ الوفد الفلسطيني الذي رافق عباس لا يمثّل الفلسطينيّين في لبنان، لعدم وجود أي من قياديّي لبنان، كالسفير أشرف دبور أو أمين سر فصائل منظّمة التحرير الفلسطينية في لبنان فتحي أبو العردات.
وبعد كلام من قياديّ فتحاوي بهذا الحجم، فإنّ الأسئلة ازدادت، وبعضها كبير، ومنها: هل هناك أزمة داخلية في «فتح»؟ وهل هناك أزمة بين «فتح» في لبنان و«فتح» الداخل؟
الشعب الفلسطيني في لبنان مرّ بظروف صعبة وقاهرة خلال 77 عاماً من اللّجوء، بعض هذه الظروف كانت قاتلة، كما في صبرا وشاتيلا، لكن مشاهد أخرى «استحدثت» منذ سنوات، منها تجّار المخدرات الذين يسيطرون على المخيّمات، ويتربّصون بها، وهم رهن إشارة مشغّليهم في بعض الفصائل الفلسطينية، وفي بعض الأحزاب والقوى اللبنانية. هذا المشهد، جعل السلاح في المخيّمات سلاحاً غير آمن، يستخدم في غير مكانه، فغابت مكانته، إذ لم يعد حامله فدائياً يمكن الدفاع عنه.
لكن، مع ذلك، لا يجوز بأي حال من الأحوال، أن يُحرم الفلسطيني من سبل العيش الكريم، لذرائع مختلفة لدى الحكومات المتعاقبة في لبنان. كما أخيراً، ما استُجدّ، من خلاف فصائلي، هذه المرة فتحاوي - فتحاوي، يُحاول البعض كتم صوته، ولفلفته. وهذا ما جاء بأمين سر «منظمة التحرير الفلسطينية» عزام الأحمد مجدّداً إلى لبنان. لكن حتى تنتهي الأزمة، المفروض على القادة الأمينين على شعبهم، وضع حد للجميع، وإعادة الاعتبار للمؤسّسات الفلسطينية الرسمية في لبنان، وإعادة كل شخص لمسؤوليّاته فقط، من دون تدخل السفارة في المنظّمة أو العكس.