مناورة الجنوب : حدّثونا عن الجليل فقط!
كتب المحرر
على طريق الجنوب اللبناني تبادل الإعلاميون مئات التكهنات حول مجريات المناورة العسكرية التي دعى اليها حزب الله بمناسبة عيد المقاومة والتحرير ، منهم من توقع سلاحاً نوعياً سيظهر للمرة الأولى ، ومنهم من تمنى ظهور الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله في حين إنصرف البقية لتحليل الرسائل التي يبتغيها حزب الله ، بدأ من إستحقاق رئاسة الجمهورية في لبنان وإنتهاء بالأزمات الدولية.
عند بوابة معسكر "بقية الله" ألقى الجميع أفكارهم المسبقة ودخلوا مستسلمين لهيبة المكان والسلاح ، عربات مؤللة ، راجمات ، مدافع ثقيلة ، لتأتي عبارة "مسموح تصوير الآليات العسكرية على طول المسار الى المنصة" وتكسر من حاجز الوقار بين رهبة المكان وعفوية الإنسان، فيندفع الحشد مطلقاً العنان لعدسات الكميرات علها تظفر بصورة قد لا تكون متاحة في أي وقت آخر.
عند المنصة إجتمع المئات من الإعلاميين منتظرين بدأ الحدث الأول من نوعه في تاريخ العلاقة بين الإعلام والمقاومة ، لتحين اللحظة ويأذن السيد هاشم صفي الدين لرجال حزب الله ببدأ مراسم المناورة التي أستهلت بإنفجار عبوة ناسفة رافقت دخول عناصر المقاومة ليدرك جميع الحضور والمراقبون المعنيون بالحدث أننا أمام مناورة عسكرية جدية تحاكي حرباً حقيقية.
إنطلق عناصر المقاومة مستعرضين قدراتهم القتالية الفردية أولاً ، لتتوالى فرق المقاومة على محاكاة الحرب ، من قنص للأهداف من مسافات متعددة وصلت حتى التسعمائة متر ،ومن ثم محاكاة لإغتنام آلية عسكرية للعدو وأقتحام السياج الحدودي وأسر جندي إسرائيلي وتفجير آليات العدو لتتصاعد من بعدها رسائل المناورة ويعلن قائد المناورة عن بدأ محاكاة إقتحام مستوطنة والسيطرة عليها ، لتندفع آليات رباعية الدفع بإتجاه نقطة الهدف مصحوبة بعدد كبير من القذائف الصاروخية والرمايات الثقيلة والمتوسطة والخفيفة والقنص وتفجير عدد كبير من العبوات الناسفة ، وليحضر هنا سلاح المسيرات الذي أظهر فعالية عالية في الميدان العسكري ، واللافت في هذه الفقرة أنها تضمنت كثافة نارية عالية وإقتحام للمستوطنة تحت وابل كثيف من الرصاص والرمايات الصاروخية التي أصابت أهدافها بدقة على بعد أمتار قليلة من حركة المقاومين .
ملأت سحب الدخان سماء المكان كما ملأ الذهول أرضه ، إندفع الحاضرون حماساً حتى كادوا يدخلون ميدان المناورة ما دفع بالمنظمين الى تنبيههم عدة مرات والطلب منهم إلتزام المساحة المخصصة لهم ، ليتابع العرض بعبارة " إن كان العدو يظن أن الجدار سيحميه " مرفقة بثلاث تفجيرات لعبوات ناسفة أحدثت فجوات في مجسم الجدار القائم على ميدان المناورة ويندفع من خلالها مئات المقاتلين في مشهد يؤكد ان من قال " قسماً سنعبر " سيعبر حقاً.
إصطف عناصر فرق المقاومة كل حسب إختصاصه ، وإصطفت آليات المقاومة بأنواعها كافة مفسيحين المجال للسيد هاشم صفي الدين أن يقول كلمة المقاومة ، والذي أكد فيها على أن "الجهوزية كاملة دوماً لمواجهة أي عدوان ولتثبيت معادلات الردع التي حمت لبنان، مضيفاً : هذه الجهوزية شاهدتم اليوم جزءاً رمزياً منها، وهي إستعداد على مدى الأيام والساعات وكلّ المستويات".
وتوجّه صفي الدين الى رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتانياهو وحكومته بالقول :"إذا فكّرتم في توسيع عدوانكم للنيل من المعادلات التي صنعناها بدمائنا وقدرتنا، فإننا سنكون جاهزين لنمطركم وستشهدون أياماً سوداء لم تروا لها مثيلاً، وعلى "الإسرائيلي" أن يعلم جيداً أننا نعني ما نقول".
وتابع صفي الدين :"لا ضرورة لعرض الصواريخ الدقيقة اليوم وهي موجودة لدينا بكثرة، لان العدو سيرى فعلها في قلب كيانه اذا ارتكب اي حماقة يتجاوز فيها قواعد اللعبة"، مضيفاً :"اذا تجاوز العدو قواعد اللعبة سوف نمطر هذا الكيان بصواريخنا الدقيقة وكل اسلحتنا".
من جهة اخرى، شدد صفي الدين على ان "المقاومة هي قدرة لكلّ اللبنانيين في مواجهة العدو، لذا لا ينبغي لأحد أن يخاف"، مذكرا بأن "المقاومة على عهدها في إعادة مزارع شبعا إلى حضن الوطن".
وراى ان "مقاومة اليوم هي قوة ممتدّة ومحورٌ كامل، ومحورُ المحور هو القدس وفلسطين، والتفكيك بين الجبهات خيالي"، معتبرا ان "المناخات الإيجابية في المنطقة فرصة ثمينة لا يجوز لأحد أن يضيّعها، وليس أفضل من أن يكون العدو الواحد لجميع العرب هو الكيان الصهيوني".
ولا بد من الإشارة الى أن في غمرة الإنجذاب للخطاب إندفع عناصر الإطفاء في المقاومة بين الأشجار الحرجية وفي المنحدرات الجبلية مجّهزين على كل شعلة قد تنال من أرض لبنان، في إشارة الى شمولية الجهوزية في فرق عمل المقاومة العسكرية والمدنية .
ليس في المناورة العسكرية اليوم ما لم يكن معلوماً عن المقاومة ، لا بل إن بعض المشاهد المصورة من الحرب ضد الإرهاب تفوق ما شوهد اليوم من مقدرات ومهارات يعلم الصديق والعدو أن المقاومة قد تجاوزتها منذ زمن ، إلا أن اللافت في مجريات المناورة أنها حاكت أعمالاً عسكرية كلها على أرض فلسطين في إشارة واضحة الى أن أي مغامرة ترتكبها إسرائيل ستكون أرض فلسطين ساحة لخوض جولاتها العسكرية ، وأن كل حديث مع المقاومة حينها سيكون عن الجليل وما بعد الجليل.