28 آب 2024

"عملية الأربعين" تؤكد المعادلة الكبرى.. ضاحية بيروت مقابل ضاحية "تل أبيب"

كَتَبَ المُحَرّر

ممّا لا شك فيه أنّ "عملية الأربعين" التي نفذها حزب الله، في ضواحي "تل أبيب"، ردًا على اغتيال القيادي الجهادي البارز في المقاومة فؤاد شكر (السيد محسن) جاءت لتخلط الأوراق من جديد، وتخرج عن إطار المألوف. هذا عمّق التوجس بأن مرحلة جديدة بالكامل قد بدأت على الجبهة اللبنانية مع "إسرائيل"، وأوجدت معها قواعد اشتباك جديدة فرضت على صانعي القرار في الكيان الصهيوني تقبّلها.
لقد شهدت جبهة لبنان والكيان الصهيوني، خلال الأيام الأخيرة، اتساعًا خطيرًا في العمليات العسكرية التي أخذت تتدحرج بسرعة حتى وصلت إلى صيدا والبقاع والجولان السوري المحتل، ما أوحى أن صاعق تفجير المنطقة سيكون من هذه الجبهة، خاصة أن المقاومة اللبنانية كبّلت يد الإسرائيلي عن التّفرد بالرد على قاعدة "بتوسّع منوسّع".
في ظل التّعنت الإسرائيلي في التّصعيد، كُسرت قواعد الاشتباك كلها التي كانت قائمة على جبهة الإسناد الجنوبية منذ حرب تموز 2006، وتطورت إلى ضربات متبادلة من الجانبين؛ مع سعي "إسرائيلي" إلى الاستفزاز عبر اغتيالات قادة المقاومة ومقاتليها واستهداف المدنيين بهدف تجميع النقاط بدلاً من انتصار ضائع في غزة، بينما بقي حزب الله يحافظ على معادلة الردع وتوازن الرعب بتوسيع عملياته إلى مستوطنات جديدة ومراكز لم تكن "إسرائيل" تتصوّر يومًا أن تصل إليها يد المقاومة، لا سيما لجهة قصف مراكز عسكرية سريّة وحسّاسة.
هذا ما حصل بالفعل، إذ نفّذ حزب الله تهديده، بالرّد على اغتيال القائد العسكري فؤاد شكر في قلب الضاحية الجنوبية لبيروت، باستهداف قاعدة "غليلوت" في قلب ضواحي "تل أبيب" التابعة للموساد، والتي تضم الوحدة 8200. ومع أن هذا الرّد بقي محور متابعة وتعليقات، بالإضافة إلى تناقض السرديات عن نتائج الضربة الاستباقية التي نفّذها الطيران الحربي الإسرائيلي لإحباط هجوم المقاومة، وتكذيب أمين عام الحزب السيد حسن نصرالله هذه الرواية، إلا أنه بحسب قراءاة المحللين الصهاينة وتقديرات مراكز الأبحاث في كيان العدو، بات واضحًا اليوم أكثر من أي وقت مضى أن المقاومة في لبنان تتحدى قادة الاحتلال وتتجاوز حدود معادلة الردع التي رُسمت من قبل، وهو ما يربك العدو الذي صار يخشى في حال نشوب حرب واسعة خسائر فادحة في جبهته الداخلية. 
في هذا السياق، يستعرض الباحث الصهيوني يورام شفايتسر، في معهد أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي في جامعة "تل أبيب"، العوامل التي أثرت في تصميم معادلة الردع بين حزب الله و"إسرائيل"، وتطورها التدريجي طوال 40 عامًا من الصراع بينهما. وبرأيه أن: "توازن الردع الحالي له جذور عميقة في استراتيجية حزب الله الذي يميل إلى المخاطر والواقع الإقليمي المتغيّر، والحرب على غزة والقتال على الجبهة الشمالية"، وبرأيه أن: "ذلك لا يضمن منع نشوب صراع واسع النطاق قد يتطور إلى حرب إقليمية متعددة الساحات".
إلى ذلك، وفي سياق الرّد والرّد المقابل، قالت مصادر في جيش الاحتلال لصحيفة "معاريف" الإسرائيلية، يوم الاثنين الفائت، إن: "المعضلة الاستراتيجية التي تواجهها "تل أبيب" في جبهة لبنان ما تزال قائمة بالرغم أنّها أسمتها الضربة الاستباقية التي شُنت على حزب الله". وذلك برأيها أنه: "حتى الآن؛ لم يتغير الواقع إلى مستوى يسمح لسكان الشمال بالعودة إلى منازلهم". كما أكد وزير خارجية العدو إسرائيل كاتس، يوم الأحد الفائت، أن حكومته ليس لديها مصلحة في مثل هذه المعركة الوجودية مع محور المقاومة.
بناء على هذا، جاء رد المقاومة على اغتيال شكر لتثبيت معادلات الردع على الحدود وإرساء قواعد جديدة لصالحها في لبنان، أبرزها أن أي تجاوز للخطوط الحمراء واستهداف بيروت وضواحيها سيقابل باستهداف "تل أبيب" وضواحيها. وبهذا يكون الرّد قد رسم معادلة جديدة وكبرى، وثبّتت الردع وهي أن ضاحية بيروت الجنوبية يقابلها ضاحية "تل أبيب" الشمالية، والأهداف الأمنية والعسكرية سيقابلها الأهداف نفسها، وهذه مسألة مهمة جدًا في تاريخ عمل المقاومة في لبنان.
وفقًا على هذه السردية العملية، يكون قد عرِف حزب الله كيف يتقن الرّد بطريقة مدروسة، إذ أثبت لـ"إسرائيل" أنه لو جاء متزامنًا مع رد الجانببين الإيراني واليمني من شأنه أن يشعل الكيان برمته، لكنّه جاء منفردًا حتى لا يشعل المنطقة؛ خاصة وأن "إسرائيل" تريد ذلك وترغب في جرّ الولايات المتحدة الأمريكية إلى هذه الحرب. وهذا دليل آخر على وعي محور المقاومة، وهو ما ثبّت قواعد الردع الماضية، وأثبت في الوقت نفسه أن أي تجاوز من "إسرائيل" لقواعد الاشتباك من شأنه أن يكرّس قواعد جديدة لمصلحة المقاومة.

Add to Home screen
This app can be installed in your home screen