العالم يحشر إسرائيل وأميركا في الزّاوية: متضامنون مع غزّة
10 كانون الأول 2023

العالم يحشر إسرائيل وأميركا في الزّاوية: متضامنون مع غزّة

عبد الكافي الصمد    

موقفان متناقضان صدرا عن مسؤولين في دولة الكيان الصهيوني في الأيّام الأخيرة متعلقان بالعدوان الذي يقوم به جيش الإحتلال الإسرائيلي على قطاع غزّة منذ أكثر من شهرين، الأوّل يدعو إلى التجاوب مع ضغوطات ودعوات إيقاف الحرب والإنسحاب من مستنقع غزة، وإيقاف مسلسل الإستنزاف الذي يهدد الكيان؛ والثاني الإصرار على الإستمرار في الحرب والذهاب بها بعيداً حتى تحقيق الأهداف المعلنة لها، حتى لو استمرت أيّاماً وأسابيع.

فبعدما عجز جيش الإحتلال عن تحقيق أيّ من الأهداف المعلنة لحربه ضد قطاع غزة في أعقاب عملية "طوفان الأقصى" التي نفذتها المقاومة الفلسطينية في 7 تشرين الأوّل الماضي ردّاً على استفزازات إسرائيل، وعجز الجيش الذي سقطت أسطورته بأنّه كان لا يقهر، وتكبّده خسائر كبيرة لم يعهدها في أيّ من حروبه ضدّ الفلسطينيين والعرب منذ نشأة الكيان قبل 75 عاماً، باتت السلطة في إسرائيل في موقف محرج للغاية لم تعرفه في تاريخها.

هذا الحرج ظهر مؤخّراً بشكل لافت بعدما أثار إعلان صحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية عن عدد جرحى الجيش الإسرائيلي وقيامها بتغيير الرقم في ما بعد، ضجّة في تل أبيب، وذلك بعد تدخّل الرقابة العسكرية التي تشترط الحصول على الموافقة منها قبل نشر أيّ معلومة في وسائل الإعلام عن الحرب.
فإثر إعلان الصحيفة يوم السّبت (9 كانون الأوّل / ديسمبر) بأنّ عدد جرحى الجيش الإسرائيلي في المواجهات بقطاع غزّة قد وصل إلى 5 آلاف، عادت وغيّرت الرقم لاحقاً ليصبح ألفين فقط.

غير أنّ هذا الحرج لا يقتصر على دولة الكيان وحدها، بل امتد إلى حلفائها وعلى رأسهم الولايات المتحدة الأميركية التي يبدو أنّها باتت شبه وحيدة أمام المجتمع الدولي والرأي العام العالمي، خصوصاً بعدما اعترضت يوم الجمعة الماضي على قرار في مجلس الأمن لوقف إطلاق النّار في غزّة، مستخدمة حق النقض "الفيتو"، ومتذرعة أنّ "وقف إطلاق النّار ليس صائباً، وأنّ حركة حماس ستستمر في عدوانها، ووقف إطلاق النّار سيعزز سيطرتها على غزّة"، وصولاً إلى حدّ إدانة واشنطن للحوثيين في اليمن على هجماتهم "ضد سفن في البحر الأحمر".

بالمقابل، لم تكلّف الإدارة الأميركية نفسها بإدانة إسرائيل على الجرائم والمجازر البشعة التي ترتكبها بحقّ أهالي غزّة، والتي أدانتها أغلب دول العالم والمنظمات المعنية بحقوق الإنسان وحركات التحرّر العالمي، فضلاً عن تضامن شعبي عالمي لم تشهده أيّ قضية عالمية من قبل بهذا الحجم ما شكّل تحوّلاً في الرأي العام العالمي في تعاطفه مع القضية الفلسطينية، وبات يُشكّل عامل ضغط على الولايات المتحدة وإسرائيل معاً، وعلى حلفائهما الذين باتوا قلّة في العالم، خصوصا بعدما باتت تصدر دعوات في دول حليفة لواشنطن وتل أبيب تدعو إلى "حظر دخول المستوطنين الإسرائيليين في الضفّة الغربية المشتبه في ارتكابهم أعمال عنف" إلى دولهم، ومنها دول تنتمي إلى الإتحاد الأوروبي.

كلّ ذلك يأتي في ظلّ حملة تضامن وتعاطف على مستوى العالم مع القضية الفلسطينية غير مسبوقة منذ نشأة كيان الإحتلال عام 1948، ليس أوّلها تظاهرات بشرية حاشدة أشبه بالطوفان تشهدها مدن رئيسية في العالم في دول تعتبر حليفة لإسرائيل والولايات المتحدة معاً، مثل لندن؛ وليس آخرها الإضراب العام على مستوى العالم الذي دعت إليه جهات وناشطون في مختلف أرجاء المعمورة تضامناً مع غزّة، ومن أجل الضغط لإيقاف العدوان الإسرائيلي عليها، تحت شعار أنّ "أيّ خسارة شخصية نتكبدها لا تساوي شيئاً أمام المذابح التي تحدث بحقّ إخواننا في غزّة".

ما سبق يعني أمراً واحداً هو أنّ ما بعد العدوان الإسرائيلي على غزة لن يكون كما قبله، وأنّ كلّ شيء تغيّر، من غزّة إلى المنطقة والعالم، وهو تغيير يصبّ بلا شك في مصلحة القضية الفلسطينية ومحور المقاومة في المنطقة والعالم، وترجمة هذا الأمر على أرض الواقع مسألة وقت ليس إلّا.

Add to Home screen
This app can be installed in your home screen