مصير لبنان ليس في يده في عهد
02 كانون الأول 2023

مصير لبنان ليس في يده في عهد "التغييرات الكبيرة" و"إعادة ترتيب الأوراق"

عبد الكافي الصمد  

أبعد من المهمّة المؤجّلة حتى إشعار آخر للموفد الرئاسي الفرنسي إلى لبنان جان إيف لودريان، وهي المساعدة في انتخاب رئيس جديد للجمهورية يُنهي الفراغ الرئاسي في قصر بعبدا المستمر منذ سنة وشهر، والمهمّة الطارئة له وهي دعوته إلى التمديد لقائد الجيش اللبناني العماد جوزف عون في منصبه، قبل انتهاء ولايته في 10 كانون الثاني المقبل، لأسباب متعلقة بـ"ضرورة ضبط الأمن في لبنان لأنّ ذلك يهمّ فرنسا وأوروبا" كما قال، كشف الموفد الفرنسي عن مستقبل غامض ينتظر لبنان في المرحلة المقبلة، وتحذيره من أيّام صعبة تنتظره.

في محطتين لمّح لودريان إلى "المستقبل الغامض" و"الأيّام الصعبة" التي تنتظر لبنان خلال الفترة المقبلة، وهي فترة يفترض أن يكون لبنان جاهزاً لها كونها سترسم معالم المنطقة والعالم في ما بعد، سواء بانتخاب رئيس جديد للجمهورية، أو بوجود قائد للجيش، ذلك أنّ خلو لبنان من أيّ ممثل أو ناطق باسمه على رأس السّلطة السّياسية أو السّلطة العسكرية يعني غيابه عن طاولة يجري تجهيزها لترتيب الأوضاع في المنطقة، ولبنان ضمناً، في مرحلة ما بعد العدوان الإسرائيلي على قطاع غزّة إثر عملية "طوفان الأقصى" التي نفذتها المقاومة الفلسطينية في القطاع في 7 تشرين الأوّل الماضي، لأنّ ما بعد الطوفان لن يكون كما قبله.
 
المحطة الأولى التي قال فيها لودريان كلامه كانت خلال لقائه يوم الخميس الماضي رئيس كتلة "المقاومة والتحرير" النائب محمد رعد، في مقرّ الكتلة بحارة حريك في ضاحية بيروت الجنوبية، عندما أوضح أنّ "المنطقة ذاهبة إلى تغييرات كبيرة وإعادة ترتيب للأوراق، وهذا يستدعي من لبنان تغييراً في السّلوك السّياسي مع الملفات التي تفرض نفسها".

"التغييرات الكبيرة" و"إعادة ترتيب الأوراق" عاد لودريان وأكد عليهما بصيغة أخرى خلال مقابلة تلفزيونية أجرتها معه "المؤسّسة اللبنانية للإرسال" (lbc) عندما صرّح أنّ "الأزمة الحالية تستوجب المعالجة الطارئة لموضوع الإنتخابات الرئاسية، لأنّه في وقت من الأوقات سيكون هناك مفاوضات، ويستحسن أن يكون هناك سلطة لبنانية لتحاور باسم كافة الفرقاء، وإلّا فلن يعود لبنان مقرّراً لمصيره، بل سيخضع له".

ما يُستشف بوضوح من كلام لودريان، بعيداً عن ما قاله خلال المهمتين اللتين يزور لبنان حالياً من أجلهما، ملء الفراغ في رئاسة الجمهورية ومنع وصول الفراغ إلى قيادة الجيش اللبناني، أمرين: الأوّل قوله عن "مفاوضات" ستجري في وقت من الأوقات، من غير أن يوضح ماهية هذه المفاوضات، وبين مَنْ ومَنّ، ومتى، ولأيّ أغراض ولأيّ أهداف، تاركاً الأمر مفتوحاً على إجتهادات وتأويلات شتّى، وإنْ كانت تسريبات تحدثت بكثرة مؤخّراً عن تحضيرات تجري بهدوء وتكتم من أجل عقد مؤتمر دولي للتداول في قضايا تعنى بالشّرق الأوسط بعد العدوان الإسرائيلي على قطاع غزّة، من أجل رسم "واقع جديد"، سياسياً وأمنياً وإقتصادياً، في المنطقة ودولها لم تتضح ملامحه بعد.

أمّا الأمر الثاني الذي بدا أنّه مزيج بين النصيحة والتحذير، فهو قول لودريان أنّه خلال هذه المفاوضات المرتقبة "يُستحسن أن يكون هناك سلطة لبنانية" موجودة لتشارك في هذه المفاوضات، وتجلس على الطاولة مع الآخرين، وإلّا "لن يعود لبنان مقرّراً لمصيره، بل سيخضع له"، أيّ أنّ هذا البلد الذي رسم له حدوده الإنتداب الفرنسي والمنتصرون في الحرب العالمية الأولى (1914 ـ 1918)، كما رسموا حدوداً لبقية دول المنطقة، ووضع لها دساتيرها، من غير أن يتركوا شعوب المنطقة لكي تقرّر هي مصيرها بنفسها، بشكل يبدو معه أنّ لبنان مقبل مع دول المنطقة على مشهد مشابه لما شهدوه قبل 100 عام ونيّف، بعدما تبين أنه طيلة قرن كامل من الزمن وإنْ تغيرت فيه الوجوه ومظاهر الحياة، فإنّ الهيمنة الغربية على المنطقة ما تزال في جوهرها قائمة لم تتغير.

Add to Home screen
This app can be installed in your home screen