القيادات الأمنية والفراغ: التمديد للكلّ أو لا تمديد
06 تشرين الثاني 2023

القيادات الأمنية والفراغ: التمديد للكلّ أو لا تمديد

عبد الكافي الصمد

حرّك إقتراح القانون المعجل المكرر الذي قدمته القوات اللبنانية إلى مجلس النوّاب، في 31 تشرين الأول الماضي، بهدف التمديد لقائد الجيش العماد جوزيف عون عاماً إضافياً في منصبه، المياه الراكدة في ملف التمديد له مع إقتراب موعد نهاية ولايته في العاشر من شهر كانون الثاني المقبل، خشية الوقوع في محظور الفراغ الذي يهدد رأس المؤسّسة العسكرية.


غير أنّ هذا الإقتراح القواتي وبدل أن يفتح الطرق المسدودة أمام التمديد لقائد الجيش في هذه الظروف المعقدة والمقلقة أمنياً، أسهم في إحكام إغلاقها، في ضوء التفاعل مع هذا الإقتراح من قبل القوى السياسية الأخرى قبولاً أو رفضاً أو تحفظاً، الحليفة للقوات أو التي على خصومة سياسية معها على حدّ سواء.


أسباب كثيرة تجعل إقتراح القوّات يُجهض مبكراً، من أبرزها ما يلي:
أولاً: عندما تُقدِم القوات على تقديم إقتراح قانون لمجلس النواب فإنّها بذلك تخالف كلّ مواقفها السّابقة منذ الفراغ الرئاسي قبل سنة ونيّف، بسبب رفضها عقد مجلس النواب أيّ جلسة تشريعية قبل انتخاب رئيس للجمهورية باعتباره ـ من وجهة نظرها ـ هيئة إنتخابية لا يحق لها التشريع، ما جعل القوات تغيب عن جميع الجلسات التشريعية التي عقدها المجلس النيابي خلال هذه الفترة.


ثانياً: إذا كان رئيس المجلس النيابي نبيه برّي رفض إدراج إقتراح القوات على جدول بنود أول جلسة تشريعية يعقدها المجلس، وردّه على من راجعه في الأمر: "أنا لا أعمل عند أحد"، فإنّ حلفاء القوات في المعارضة ما يزالون عند موقفهم من رفضهم حضور أيّ جلسة تشريعية للمجلس قبل انتخاب رئيس للجمهورية، وخصوصاً حزب الكتائب والنوّاب التغييرين، ما يعني أنّ الإقتراح مات قبل أن يولد.

ثالثاً: يلقى إقتراح القوات رفضاً نهائياً من قطبين مسيحيين، التيار الوطني الحر وتيار المردة، لأسباب مختلفة لعلّ أبرزها أنّ التمديد لقائد الجيش يتعارض مع طموح كلّ من رئيسي التيارين، جبران باسيل وسليمان فرنجية، بما يتعلق بانتخابات رئاسة الجمهورية كون عون يعتبر منافساً رئيسياً لهما، وهو الهدف المُضمر لطرح القوات.


رابعاً: قبل أقلّ من شهرين على انتهاء ولاية قائد الجيش في 10 كانون الثاني المقبل، بدأت أصوات كثيرة ترتفع محذّرة من عدم التمديد له، أو تعيين خلفٍ له في منصبه، إذ أنّ الفراغ على رأس المؤسّسة العسكرية ـ برأيهم ـ يُهدّد الوضع الأمني بالإضطراب أكثر ممّا هو حالياً.

وعلى رأس هؤلاء يأتي البطريرك الماروني بشارة الراعي، الذي يبدي إستياءً من الفراغ الذي يتمدّد في مناصب عائدة للطائفة التي يرأسها.

لكنّ الرد من معارضي التمديد لقائد الجيش كان أنّ ما يسري على المؤسّسة العسكرية قد انطبق على مؤسّسات خلت من رؤوسائها، من رئاسة الجمهورية إلى حاكمية مصرف لبنان إلى المديرية العامة للأمن العام، معتبرين بأنّ الحلّ الوحيد لإنهاء مسلسل الفراغ المستمر هو انتخاب رئيس جديد للجمهورية.


خامساً: طرأ عنصر جديد على ملف التمديد لقائد الجيش زاده تعقيداً، عندما طرح نواب من الطائفة السنّية شرطاً لموافقتهم على السير به إذا ما طُرح قانونه في مجلس النواب، بمعزل عن تأييدهم ودعمهم للجيش وقائده، عندما اشترط، أحدهم، النائب وليد البعريني التمديد أيضاً للمدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء عماد عثمان، وموجّها إنتقادات شديدة اللهجة لاقتراح القوات.


سادساً: على مسافة نحو شهرين من إنتهاء ولاية قائد الجيش، يبدو أنّ معالجة مشكلة الفراغ على رأس المؤسّسة العسكرية، تمديداً أو تعييناً، تحتاج جهداً كبيراً ليس متوافراً بعد، ما سيجعل الفراغ يكبر مثل كرة الثلج التي تتدحرج وتأخذ في طريقها رأس مؤسسة قوى الأمن الداخلي في حزيران المقبل، وقبلها مصير الإنتخابات البلدية المرتقبة في أيّار المقبل، في ضوء إحتمال كبير يرجّح عدم حصولها، ما سيجعل المؤسّسات الرسمية للكيان اللبناني تتحلل تدريجياً، ويصبح أمر إعادة تركيبها وضخّ الحياة فيها مجدّداً، فضلاً عن مصير الكيان اللبناني نفسه، أمراً بالغ التعقيد ومُكلفاً على كلّ الصعد.

Add to Home screen
This app can be installed in your home screen