أسرة بندلي الطّرابلسيّة تعيش في الذّاكرة ولا تتوسّل التّكريم
كتب: روبير فرنجيةكذب من قال أنَّ أسرة بندلي الطّرابلسيّة (سجل الميناء ٣٤٠ ) اعتزلت أو اعتكفت أو تقاعدت أو انسحبت. كيف تنسحب وهي الّتي صمدت في زمن التّراجع والخنوع وتحدّت الحرب وقاومت التّقوقع وظلّت متربّعة على عروش نجوميّة الصّوت والموهبة قبل أنْ تظهر نجوميّات "الاكستنشن" والشّفط والنّفخ .
منذ أكثر من أربعين سنة تقطن الأسرة البندليٌة في بيتها الشّاهد على سهرات العمالقة في شارع المعرض في طرابلس. في نفس المبنى استديو روجيه الّذي شرّع درفاته ومسجّلاته وميكروفوناته لكلّ النّاس بمن فيهم السّياسيّين والمعلنين والمؤسّسات التّربويّة .
لا تمرّ سهرة شبابيّة من دون أغنية " دورها دور " الّتي كتبها بشير الضّيقة لإحدى المسرحيّات الّتي كانت لأسرة بندلي ولا منافس في أغنيات الطّفولة حتّى اليوم لريمي بندلي في مجموعتها الكبيرة : اعطونا الطّفولة - طفّوا النّار - طير وعلّي يا حمام - نحنا الرّبيع - غسل وجّك يا قمر.
عائلة بندلي متجذِّرة بالأصالة الفنّيّة، فخالهم هو عازف العود الشّهير المرحوم صليبا القطريب وابنة خالهم الفنّانة الرّاحلة سلوى القطريب .في الجيل الثّاني لأسرة بندلي من يتجاوز ظاهرة " الطّفلة المعجزة " ريمي رنيه بندلي في المسرح والسّينما والحفلات .آدي الّذي قدّم بروزًا لافتًا سواء في لبنان أو أربيل أو هاليفاكس بأغنياته الخاصّة مثل " سكت الحكي " أو بتجديده أغنية من إرث العائلة " يا قلبي يا زغير " .من منّا لا يستوقفه حضور جاد القطريب ابن فاديا بندلي في المسرح والتّيتر واللّحن ؟ أو شقيقه رالف أو حفيدتها لين حايك .
تاريخ فنّي أسرة بندلي لا تنال منه هدنة ولا تطاله غبار الأشرطة والأسطوانات، فالرّصيد حفظته ذاكرة الغناء اللّبنانيّ،من يصغي اليوم إلى " تنكة تنكة " لرنيه " يَخالها صُنعت لأزمة اليوم، هذه الأغنية الّتي دفعت الفنان زيّاد الرّحباني للتّصويب بأنّها ليست من صنع يديه بل إنّها لرنيه بندلي . ومن يسمع " يا صاحبنا الجوهرجي لولا بتفتح خضرجي " أو " ليرة يم " يعتقد أنّ جورج يمّين كتب وروجيه لحّن وغنّى للبصل المرتفع والجزر البورجوازي والبندورة موديل٢٠٢٣ .
غيّب الموت عميد الأسرة إدوارد بندلي ولحقت به رفيقة دربه وابنته المطربة يولا بندلي صاحبة أُغنِيتَيّ " راجع ورق الخريف " و" تبقى تلفنلي باللّيل " ولحق بهما رنيه المؤلّف الغنائيّ قبل أن يمهله الموت ليحقّق فكرة برنامج " بنك الأغاني " .
شقيقته نادية انصرفت لعائلتها وفادي استراح من التّلحين والتّوزيع ولحق لقمة عيشه فهو أحد أبرز أعضاء فرقة الفنّان مروان خوري الموسيقيّة عزفًا على الغيتار وظلّت دورا ومعها روجيه وميشلين .
روجيه عاشق الوطن والمتمسّك بترابه ،في الحرب استسلم هذه المرّة للهجرة وسافر مع زوجته إلى كندا بعد أن سبقه إلى هذا القرار المرّ ابنه الفنّان آدي وأسرته حيث أقفل بوّابة الاستديو العصري في البترون ولحق بشقيقه .
إسطوانات الزّفت السّوداء أصبحت للدّيكور كما الفونوغراف. أغنيات عائلة بندلي تذاع يوميًّا من الإذاعات الرّاقية فهم لا يدعمون ولا يشترون الأثير ولا مال لديهم لإنتاج اسطوانات مدمجة رغم أنّ في جواريرهم مئات النّصوص والألحان .ترفض دورا الّتي تؤدّي الألوان واللّغات المختلفة أن تغنّي ما يُشوّه الآذان وما لا يُحفر بالأذهان والوجدان .
أسرة بندلي الّتي تركت لنا إرثًا غنائيًا نوعيًا ليس مؤكّدًا أنّها ظُلمت بسبب هويّتها الشّماليّة ولو نزحت إلى بيروت لكانت اليوم نجمة العائلات الفنّيّة فهل أنصفت العاصمة مثلًا عائلة طنب في بيروت ؟
بالأمس أنشدت الفنّانة غينا حرب للفنّانة الصّابرة اليوم على أوضاع البلد " بزعل منّك بهرب ليك " فاستعدنا معها باقات من الأغنيات الشّائعة لهذه الأسرة : وردة حمرا - عنا جار - سنة بتسابق سني - حبيتك قلت بتبقالي - رايح انت لبعيد - يا براحة - دقللي هالعود - لا تجافي قلبي - الاذاعات - الحواجز - الجريدة …
يليق بالإعلاميّة كارلا حدّاد أن تكرّم هذه الأسرة في برنامجها التكريمي the Stage على الLBCI ويليق بها أيضًا جائزة الموركس دور عن مجمل أعمالها كما كرمت فرقة أبو سليم في إحدى الدّورات .
على الأخوين حلو أخذ المبادرة وهما يقدّران الفنّ النّبيل والإرث الأصيل جائزة لا تثري لكنّها تعوّض الوسام الرّئاسيّ المحرومة منه كحرمان الفيحاء .بانتظار العهد الّذي قد ينصفها تبقى أسرة بندلي بحضورها وغيابها ظاهرة لن تتكرّر في الآداء والتّلحين والكتابة والتّوزيع وبكلّ لغات العالم .