الأخبار: مطار القليعات و(Terminal 2): الهدف واحد
المطار حاجة اقتصادية وتنموية لبنانية وسوريّة ندى أيوبقبل أشهر، فَشِلَت مُحاولة توسعة مطار بيروت الدولي بعد معركةٍ قاسية أسقطت مشروع إنشاء مبنى جديد للرّكاب (Terminal 2)، حاول وزير الأشغال العامّة علي حميّة تمريره بطريقةٍ أثارت ملاحظات تتصل بالآلية القانونية الواجب اتباعها، وترافقت مع حملة سياسية، ما دفع الوزير إلى إلغاء الصفقة، قبل أن يُطلق الفريق الخصم لحزب الله حملة عشوائية على الحزب، ويذهب بعيداً في الاستغلال السياسي لقطع الطريق على أيّ نقاشٍ حول تطوير مطار بيروت، فأسقط البحث في أصلِ الفكرة رغم صوابيّتها. وبالتوازي، علت نبرة المُطالبة بمطارٍ بعيد عن الحزب وبيئته ونفوذه.
ورغم أن هذا الطرح ليس جديداً، وأن الجدل حول المطارات عمره من عمر الحرب في لبنان. إلا أن اللافت هو الاقتراح القديم - الجديد بإعادة تشغيل مطار القليعات، كمطارٍ ثان، رُفِع هذه المرّة بحُجّة تخصيصه للرحلات التجارية وتلك العارضة المُتدنّية الكلفة.
وهذا تماماً هدف مشروع (Terminal 2) في مطار بيروت.
لكن، يبدو أن ما هو مقبول في القليعات، مرفوض في بيروت، ليس لعلّة في المسار القانوني وإلا كان جرى تصويبه، بل لضرورات التسييس بالدرجة الأولى.
أُهملت كل الأسباب الموجبة لمشروع (Terminal 2). ولأسباب مُشابهة، عاد اقتراح تفعيل مطار القليعات. وهو مطلب اتّسم بالظرفية منذ التسعينيات، ولم يقترن يوماً بتصور واضح أو خطة أو أرقام. فقد أهملت الحكومات المُتعاقبة هذا المرفق الحيوي، ولم تضع دراسات تقنية واقتصادية حول جدوى الاستثمار والدور المراد لمطار القليعات لعبه. علماً أنّ أحداً من أهل الاختصاص لا ينكر أهمية وجود أكثر من مطارٍ، فلكل مطارٍ دور وأهمية يتحددان بناء للموقع الجغرافي والحجم، وعليه يقاس مدى الإنماء الاقتصادي والاجتماعي، والمردود الذي يؤمّن للبلد من هذا المرفق أو ذاك.
وفي خضم السجال، كانت كتلة «الاعتدال الوطني»، التي تضم غالبية نواب منطقة عكار، وحدها تقريباً التي طرحت معاودة تفعيل مطار القليعات لـ«أسباب تنموية بعيدة عن الاستثمار السياسي»، بحسب النائب سجيع عطية.
وللغاية، زار وفد من الكتلة حــــــ زبـــــ الـــــلـــــ ه، في إطار جولة نيابية لعرض رؤيتها لـ«أهمية» الدور الذي قد يلعبه مطار القليعات كمطار «ملحق» بمطار بيروت، وأبدى الـــــ حـــــ زبـــــ جدّية في بحث الملف «من الناحية الفنية الملقاة على عاتق وزارة الأشغال، وعلى أساس مخطّط توجيهي عام لأوضاع كل المطارات في لبنان»، مع الأخذ في الحسبان «الهواجس السياسية والأمنية لجميع الأطراف وسط نزعة تقسيمية بدأت تظهر في البلد».
واقع مطار القليعات
تقنياً، هناك أسئلة كثيرة حول مدى جهوزيّة القليعات للعمل.
إذ يقع المطار على ساحل عكار، على بُعد 20 كلم شمال طرابلس، ويضم مدرجين بطول 3200 متر وعرض 60 متراً، وعدداً من الأبنية والمنشآت والهنغارات التي تحتاج إلى إعادة تأهيل، إضافة إلى صيانة شاملة للمدرجات وبرج المراقبة وعوامات النفط ومحطات الرادار والإضاءة والخزانات.
عام 2019، وفي أعقاب وضع خطة اقتصادية لمنطقة الشمال ككل، أعدّ المدير العام السابق للطيران المدني المهندس حمدي شوق دراسةً حول مطار القليعات، خَلُصت إلى أنّه «يتكامل مع مطار بيروت ولا ينافسه»، انطلاقاً من موقعه الجغرافي القريب من الحدود مع سوريا، وسط غياب كلّي للمطارات على كامل الساحل السوري.
وتركّز الدراسة على تحويل مطار القليعات إلى مرفق اقتصادي وسياحي، يخدم حوالي 50 كلم في لبنان، وجزءاً كبيراً من سوريا، ويستفيد منه بين مليونين وثلاثة ملايين مسافر في حال تطور الأوضاع إيجاباً في المنطقة العربية.
كما يصلح المطار لاعتماده بشكلٍ أساسي لأغراض الشحن والتخزين والنقل التجاري، ولا سيما على صعيد التصدير الزراعي من مناطق البقاع والشمال.
ويعزز دوره قربه من البحر والعلاقة التي يخلقها تشغيله مع مرفأ طرابلس، فيصبح مشروعاً متكاملاً بعد تطوير المرفأ، والانتهاء من شق الطريق بين البقاع والشمال عبر منطقة الضنية.
وعبره يتم ربط البحر الأبيض المتوسّط مع الخليج العربي، وهو دور «من الصعب على مطار بيروت لعبه»، وفق شوق، نظراً إلى طول المسافة إلى بيروت.
أما سياحياً، فيقدّم شوق مطار القليعات كخيار ثانٍ إلى جانب مطار بيروت، أمام الوافدين الذين يفضّلون المطارات الثانوية التي تسيّر الرحلات العارضة المنخفضة التكاليف، مقارنة مع مطارات العواصم.
ولا ينحصر ارتياده باللبنانيين، إذ يمكنه خدمة السوريين المسافرين إلى اللاذقية التي تبعد عن القليعات ساعة ونصف ساعة، في حين أن السفر إليها عبر دمشق أو حلب يحتاج إلى خمس ساعات.
ويؤكد شوق أن في إمكان المطار أن يلعب دوراً في إعادة إعمار سوريا.
في الشق المالي، قدّرت مؤسسة «إيدال» عام 2011 كلفة التشغيل بـ90 مليون دولار.
وتستقر الآراء على أن أفضل طرق التنفيذ، في دول لا تملك سيولة، هي عقود الشراكة مع القطاع الخاص على طريقة الـ«BOT».
وهي الطريقة التي طرحت لتنفيذ مشروع (Terminal 2). وفي هذا الصدد، يعتبر شوق، أنّ «المشكلة تكمن في إدارة مطار بيروت، بحيث يمكن للإدارة الجيّدة، إذا ما ترافقت مع تحديثٍ تكنولوجي، زيادة القدرة الاستيعابية للمطار من 6 إلى 9 ملايين وافد، إلى جانب توسعة مبنى الركاب الذي لا يتعارض مع عودة تشغيل مطار القليعات، نظراً إلى اختلاف الدور بينه وبين مطار بيروت».
معاودة تفعيل مطار القليعات لا تتطلب بالضرورة الإطاحة بمشروع توسعة مطار بيروت، إلا من وجهة نظر فئة لديها مشكلة في الأصل مع وقوع مطار بيروت ضمن ما تسميه النطاق الأمني والجغرافي للضاحية الجنوبية، وهي فئة تخيّر اللبنانيين بين «مطار تابع للدولة وآخر خارج عن الشرعية». وقد أضر خطابها بمطار بيروت كما بمطار القليعات ومنطقة عكار، حين حوّلت القليعات من مشروع يأتي في إطار اللامركزية والتنمية المناطقيّة إلى قضية سجال سياسي تصب في خانة الفدرلة والتقسيم .
هل يعود العمل بمشروع Terminal - 2 في مطار بيروت؟
صحيح أن حـــــــ زبـــــ الـــــلـــــ ه، وهو الجهة التي تمثل مرجعية وزير الأشغال العامة علي حمية، شجع الوزير على سحب مشروع إنشاء مشروع إنشاء مبنى جديد (Terminal - 2) للركاب في الجهة الشرقية من مطار بيروت إثر الضجة التي رافقت عملية التلزيم، بعدما تبين أنها لم تستوف كامل الشروط القانونية.
إلا أن ذلك لا ينفي الحاجة إلى المشروع أصلاً، وهو ما بدأ التداول به على مستويات اقتصادية معينة، ما يطرح السؤال عما إذا كانت الحكومة قادرة الآن، وهي في مرحلة تصريف الأعمال، على إعادة البحث في تلزيم هذا المشروع وعدم ترحيله كبقية الملفات إلى ما بعد التسوية الرئاسية.
المشروع كان يستهدف إقامة مبنى جديد مستقل عن المبنى الحالي، تطبيقاً للمخطط التوجيهي المقرّ في مجلس الوزراء عام 2018. فمنذ تاريخ افتتاح المطار عام 1998، قبل 25 عاماً، لم يشهد أي عملية توسعة.
إذ أعدّت قاعاته لاستيعاب 6 ملايين مسافر سنوياً، ومنذ عام 2013 تتخطى حركة المسافرين طاقة المطار الاستيعابية، ربطاً بتوقف مطار دمشق الدولي عن العمل، وفرض عقوبات على الطيران السوري، ما حوّل المسافرين السوريين إلى مطار بيروت ذهاباً وإياباً.
وكانت الذروة عام 2018 بعدد قارب 9 ملايين مسافر.
ويتوقّع أن ينتهي العام الحالي على استقبال أكثر من 7 ملايين وافد مرشحين للازدياد.
لذلك، فإن من شأن المبنى الجديد التخفيف من زحمة المطار الذي صار يكتظّ خارج أوقات الذروة، وسط تهالك واضح في جميع أرجائه، بشكلٍ يحصر دور المبنى الأساسي (Terminal 1) الذي تسيطر عليه شركة «ميدل إيست» بالرحلات العادية، ويُخصّص (Terminal 2) للرحلات العارضة المنخفضة الكلفة. عملياً، يؤدي ذلك إلى سحب البساط من الـ«الميدل إيست» التي تحتكر الأجواء، وتتحكم بالأسعار، وقد شهد لبنان خلال الشهرين الماضيين موجة احتجاجات على الأسعار العالية للشركة مقارنة بالشركات الأخرى التي تعمل على خطوط مشابهة لخط لبنان.
وبعدما بدا لإدارة الشركة أن المشروع الجديد يشكل خطراً على أرباحها، دخلت طرفاً مباشراً في الحملة على المشروع الجديد، وسخّرت لذلك العلاقات التي تربطها بجميع المواقع النافذة في البلاد سياسياً وأمنياً وقضائياً إضافة إلى تأثيرها الكبير على وسائل إعلامية.