لقاء الديمان الوزاري: بدعة ميقاتي تتحول عبئاً على الرئاسة الثالثة
عبد الكافي الصمدلم يكن أكثر المتفائلين يتوقع أن يخرج اللقاء التشاوري الوزاري الذي عقد في مقر البطريركية المارونية الصيفي في الديمان، الثلاثاء 8 آب الجاري، بأكثر ممّا خرج به، وهو حفظ ماء المجتمعين، من رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي وأعضاء حكومته الذين شاركوا في اللقاء، والبطريرك الماروني بشارة الراعي والمطارنة ممّن حضروه.
ومع أنّ اللقاء إنتهى على ما انتهى إليه، من بيان إنشائي حمل عبارات فضفاضة ومنمّقة، فإنّ تداعياته لن تنتهي قريباً، إذ أنّ آثاره على السّاحة السّياسية سوف تنسحب على المدى القريب منه والبعيد، ليس فقط كونه غير مسبوق في تاريخ الحياة السياسية في لبنان منذ نشأته قبل قرنٍ ونيّف من الزمن، بل لأنّه أعطى مؤشّراً على انقسام سياسي عميق سيزداد في المرحلة المقبلة.
فالغاية الأساسية من اللقاء التي أرادها ميقاتي هي محاولته الحثيثة تأمين غطاء مسيحي لحكومته بسبب مقاطعة وزراء مسيحيين لها، وخصوصاً وزراء التيّار الوطني الحرّ، فضلاً عن القوات اللبنانية التي لا تقف موقفاً داعماً لحكومة تصريف الأعمال، إنّما من غير أن تتقاطع بالضرورة مع التيار البرتقالي، ذلك أنّه لكل طرف منهما حساباته ومصالحه السياسية الخاصّة به.
غير أنّ هذا الغطاء المسيحي لم تلتحف به حكومة ميقاتي إلّا شكلاً، أمّا في المضمون فإنّ هذا الغطاء ما يزال غائباً، لأنّ اللقاء بدا بنظر كثيرين قرار إتخذه ميقاتي لتحويل الأنظار عن أداء حكومته المثير للإستغراب، وإنْ كان وصفه بأنّه "لقاء عفوي"، وكان "إبن ساعته"، فلجأ إلى رجل دين مستجدياً تأييده، في ظلّ غياب رئيس الجمهورية عن المشهد بسبب الفراغ في سدّة الرئاسة الأولى، وهو بذلك يستدعي تدخّل رجال الدين الآخرين، ولعلها هنا النقطة الأهم والأخطر.
فاللقاء فتح الباب واسعاً أمام رؤساء الحكومات في المستقبل لعقد لقاءات مثله طلباً لدعم ما، أو لمآرب سياسية معينة، وسيدفع المرجعيات الدينية و السّياسية الأخرى أن تطالب بعقد لقاءات أخرى مماثلة له، على قاعدة أنّه "ما حدا أحسن من حدا"، ما يعني بأنّ أزمة سياسية دستورية جديدة إبتدعها ميقاتي، عن قصد أو عن غير قصد، سوف تكون عبئاً على أيّ رئيس حكومة سيأتي من بعده.
ولعلّ أبرز خطيئة سياسية إرتُكبت في اللقاء التشاوري المذكور هي أنّها كسرت عرفاً سياسياً كان قائماً منذ نشأة الكيان وما بعده، هو أنّ الرؤساء وكبار المسؤولين في الدولة هم رؤساء لكلّ لبنان وليس لطوائفهم التي ينتمون إليها، على عكس رجال الدين الذين يرأسون طوائفهم فقط، فإذا باللقاء الذي عقد برعاية البطريرك الراعي يكسر هذا العرف، ويفتح الباب أمام مطالب مماثلة واجتهادات سياسية خطيرة.
أمّا ميقاتي فإنّه خرج من اللقاء "لا مع سيدي بخير، ولا مع ستّي بخير"، فهو عدا عن أنّه لم يحظَ في اللقاء بالغطاء المسيحي لحكومته الذي يسعى إليه، فإنّه لقي إنتقادات عدّة ضمن طائفته السنّية، التي خرجت أصوات فيها تتهمه بأنّه أضعف مقام رئاسة الحكومة وهو المقام الأرفع للطائفة، وأرسى عرفاً وتقليداً ستدفع الطائفة ثمنه سياسياً من كيسها وعلى حسابها في المرحلة المقبلة.