إشتباكات عين الحلوة: توقيتٌ مشبوه يُحوّل الأنظار عن إنتصارات الدّاخل
عبد الكافي الصمدفي توقيت وُصف بأنه مشبوه، وجاء غداة زيارة رئيس جهاز المخابرات الفلسطينية العامّة ماجد فرج إلى لبنان وإجتماع الأمناء العامّين للفصائل الفلسطينية في العاصمة المصرية القاهرة، إنفجر الوضع الأمني في مخيّم عين الحلوة، مساء السّبت 29 تمّوز الماضي، واضعاً أكثر من علامة إستفهام وطارحاً أسئلة عدّة حول حقيقة ما جرى في أكبر مخيّم للاجئين الفلسطييين في لبنان، الذي يُوصف بأنّه عاصمة الشتات الفلسطيني حيث يسكن فيه زهاء 70 ألف نسمة، وحول مستقبل الأوضاع فيه، وكيف يمكن أن تتطوّر الأمور فيه، وإلى أين يمكن أن تصل؟
ومع أنّ الأمور في ظاهرها تتحدث عن إشتباكات بين عناصر من حركة فتح من جهة، وعناصر من حركات جند الشّام وفتح الإسلام والشّباب المسلم ومجموعة بلال بدر من جهة أخرى، فإنّ تطوّرات الأمور على الأرض أشارت إلى وجود صراع أجنحة داخل حركة فتح يتحمّل جزءاً كبيراً ممّا يشهده مخيّم عين الحلوة من إشتباكات دامية، سقط بسببها العديد من القتلى والجرحى وشرّد آلاف القاطنين في المخيّم كما ألحق أضراراً مادية كبيرة بالمخيّم وجواره وصولاً إلى مدينة صيدا، وأنّ هذا الصراع من شأنه، إذا لم تتم معالجته، كما الصراع الذي لا يخفى بين فتح وبقية التنظيمات، أن يجرّ المخيّم وبقية المخيّمات الفلسطينية في لبنان إلى ما لا تحمد عقباه.
غير أنّ ما يشهده مخيّم عين الحلوة سلّط الأضواء على العديد من النّقاط السّياسية والأمنية الهامّة، سواء المتعلقة بالوجود الفلسطيني المسلّح في لبنان أم سواه، ومن أبرز هذه النقاط ما يلي:
أولاً: كشفت أحداث المخيّم، إلى جانب الإنقسام وصراع الأجنحة داخل حركة فتح، ضعفاً غير مسبوق في وجودها وثقلها وتأثيرها وإحكام قبضتها في مخيمات لبنان، من غير أن يشفع لها أنّها الممثل الرسمي، عبر السّلطة الوطنية الفلسطينية، للفلسطينيين في لبنان، وهذا الضعف الذي لم يُعالج ولم تُسد ثغره، ترك تأثيرات عدّة على مجمل نواحي الحياة في مخيّمات لبنان، وهو ما كشفته الأحداث التي شهدها مخيّم نهر البارد عام 2007، وصولاً إلى أحداث مخيّم عين الحلوة اليوم.
ثانياً: أثارت أحداث مخيّم عين الحلوة مخاوف وهواجس كبيرة من احتمال إندلاع إشتباكات في مخيمات فلسطينية أخرى نتيجة إنتقال شرارة الأحداث إليها بين الفئات المتقاتلة، بعد إتساع رقعتها أكثر داخل المخيّم، وأن ينضم إلى الطرفين مجموعات مسلحة، أبرزهم كما تتحدث تقارير مسلحون متشدّدون ينتمون إلى تنظيمات النصرة وداعش وغيرهما دخلوا إلى لبنان مؤخّراً من سوريا والعراق تحديداً، عدا عن لبنانيين ينتمون إلى هذه التنظيمات، الأمر الذي ينذر بتفجير السّاحة اللبنانية وتحويلها إلى ساحة صراعات داخلية وخارجية، كما جرى دائماً، وإستغلال أزمة الإنقسام السّياسي والفراغ الرئاسي والإنهيار المالي والإقتصادي لمآرب وغايات هذه الصّراعات.
ثالثاً: برغم اختلاف الظروف والمعطيات، فإنّ مخاوف أخرى بدأ البعض يبديها من إحتمال إنتقال شرارة ما يحصل في مخيّم عين الحلوة إلى مخيمات النّزوح السّوري في لبنان، وأن تشارك مجموعات مسلحة من هؤلاء النّازحين السّوريين في تأييد ودعم هذا الطرف أو ذاك، وإغراءهم مالياً وسياسياً وإستغلال أوضاعهم، ما يجعل رقعة التفجير تتسع، ويجعل لبنان يقف فوق برميل بارود، نظراً لأنّ النّازحين السّوريين منتشرين في مختلف المناطق اللبنانية، وليسوا محصورين في مناطق ومخيمات محدّدة كما حال اللاجئين الفلسطينيين.
رابعاً: يردّ كثيرون التوقيت المشبوه لأحداث مخيّم عين الحلوة إلى أنّها حوّلت الأنظار عن إنتصار الkmاومين في مخيّم جنين في الضفّة الغربية على الجيش الإسرائيلي وعلى صمودهم الأسطوري في وجهه؛ إذ في حين جاء هذا الإنتصار ليُراكم الإنتصارات في الدّاخل الفلسطيني في وجه الصهاينة، كما حصل قبل ذلك في نابلس، أتت أحداث مخيّم عين الحلوة لتنعكس سلباً على هذه الإنتصارات، لأنّه بدلاً من أن ترفع البنادق في وجه المحتلّين الإسرائيليين إستخدمت في صراعات داخلية لن يكون أحد مستفيد منها سوى أعداء الفلسطينيين بالدرجة الأولى.