اللجنة الوزارية حول النّازحين السّوريين طارت: لبنان يرضخ للضّغوط
عبد الكافي الصمدقبل نحو شهر ونصف تقريباً، وتحديداً في 2 حزيران الماضي، أعلن رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي في حديث إلى محطة "يورونيوز" بأنّ الحكومة "في صدد تشكيل لجنة وزارية للذهاب إلى دمشق لبحث ملف النّازحين السّوريين"، مؤكّداً أنّ "هذه الخطوة ستكون بالتنسيق مع اللجنة السّداسية المنبثقة عن الجامعة العربية".
لكن طيلة هذه الفترة لم يقم ميقاتي بأيّ خطوة في هذا الإتجاه، فلم تُشكل اللجنة ولم يُعلن عن أيّ إجتماع أو نقاش حولها، بإستثناء دعوات للإسراع في تشكيلها، إلى أن أُعلن في يوم السّبت، 15 تمّوز الجاري، تنحي وزير الخارجية والمغتربين في حكومة تصريف الأعمال عبد الله بو حبيب عن رئاسة الوفد، من دون كشف الأسباب وراء هذا التنحّي، وأبلغ قرار تنحّيه إلى زميله في الحكومة وزير المهجرين عصام شرف الدين، الذي كان أحد أشدّ المتحمّسين لتشكيل الوفد وزيارة دمشق بهدف مناقشة ملف النّازحين مع الحكومة السّورية، وهو زار العاصمة السّورية أكثر من مرّة لهذا الغرض.
وأثار تنحّي بو حبيب تساؤلات واسعة حول إن كانت خطوته مرتبطة بقرار البرلمان الأوروبي، الذي إتخذ قراراً يوم الأربعاء الماضي، في 12 تمّوز الجاري، يقضي بدعم عدم إعادة النّازحين السّوريين في لبنان، وبقاءهم حيث هم، وما إذا كانت ضغوطات مورست على ميقاتي وحكومته للتراجع عن خطوة تشكيل الوفد ورضخ لها، إلى جانب ما أشار إليه البعض من وجود تواطؤ بين أحزاب لبنانية مناهضة لدمشق (أهمها القوات اللبنانية وحزب الكتائب وحزب الوطنيين الأحرار) مع أحزاب أوروبية أدى في نهاية المطاف إلى صدور القرار الأوروبي وفق الصّيغة التي صدر بها!
الرضوخ للضّغوطات، أو عدم الرغبة في زيارة دمشق لبحث ملفات كثيرة عالقة بين البلدين من بينها ملف النّازحين، ليست الأولى التي يُقدم عليها ميقاتي.
فبعد الزلزال الذي ضرب سوريا وتركيا في 6 شباط الفائت زار وفد وزاري برئاسة بو حبيب دمشق في اليوم التالي، بهدف إبداء التضامن مع سوريا في مصابها، وهو وفد كان لافتاً أنّ أي وزير سنّي في حكومة ميقاتي لم يشارك فيه، فضلاً عن رئيس الحكومة طبعاً، وتم الإكتفاء بأن يتضمن الوفد رئيس الهيئة العليا للإغاثة اللواء محمد خير من باب حفظ ماء الوجه.
ما سبق يطرح الكثير من علامات الإستفهام ويثير الكثير من التساؤلات، من أبرزها ما يلي:
أولاً: كيف يمكن إعادة النّازحين السّوريين إلى بلدهم إذا كانت الحكومة لم تستطع أن تُشكّل مجرد وفد لبحث هذا الموضوع مع الحكومة السّورية، التي أبدت كلّ إستعداد في تسهيل عودة النّازحين والتنسيق مع لبنان وسواه من الدول، فهل يظنّ المسؤولون في لبنان أنّ هؤلاء النازحين يمكن أن يعودوا لوحدهم؟
ثانياً: بات واضحاً أنّ قرار إعادة النّازحين السّوريين إلى بلدهم ليس في يد الحكومة اللبنانية، التي ظهرت وكأنّها نفضت يدها كليّاً من الموضوع، خصوصاً بعدما بدرت إشارات من الإتحاد الأوروبي والولايات المتحدة والمفوضية العليا لشؤون النّازحين التابعة للأمم المتحدة، تفيد أن أوان عودة هؤلاء النّازحين لم تحن بعد.
ثالثاً: عندما يخرج بعض المسؤولين في لبنان منتقداً قرار الإتحاد الأوروبي معتبراً إيّاه إعتداء على السّيادة اللبنانية، وإجبار لبنان على إستضافة أكثر من مليوني نازح يرخون بثقلهم الإجتماعي والإقتصادي والأمني عليه، ثم يتبيّن أنّهم لا يقدرون على تشكيل وفد رسمي لزيارة دمشق وبحث ملف النّازحين مع حكومتها، يتبين بكلّ وضوح بأنّ أغلب الطبقة السّياسية هي أدوات بيد الخارج، وينفذون مصالح هذا الخارج بكلّ تشعباته، بينما مصالح لبنان في آخر إهتماماتهم.