جنبلاط: لست مقتنعًا بأن أي إدارة أميركية جديدة ستوقف الحرب وإيران هي المحاوِر بعد نصر الله
أشار الرّئيس السّابق للحزب "التقدّمي الاشتراكي" وليد جنبلاط، إلى أنّه "يبدو أن ما يحصل هو تغيير ما تبقى من معالم "سايكس- بيكو". أرى تغييرا كبيرا في المنطقة. لقد تغيرت هذه المعالم أساساً عام 2003، عندما جرى غزو العراق من الرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش والفريق المتصهين الأميركي آنذاك، ووقف عند حدود سوريا وكان يريد تدميرها، ثم استمر".
ولفت، في حديث لصحيفة "النهار"، إلى "أنّني أعود إلى الماضي وقد يحدث هذا الموضوع تغييراً إذا استمرت إزالة غزة، وآخر معلم هو الأردن وفلسطين. ووفق الأدبيات الإسرائيلية، ليس هناك شيء يسمى فلسطين بين البحر والنهر. قالها إيغال ألون وكان وزيرا للخارجية عام 1967، إن شرق الأردن هو فلسطين"، مبيّنًا أنّ "هناك بعض الإسرائيليين أو بعض اليهود ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو يؤمنون بنظرة توراتية حيال لبنان حول الصراع مع الكنعانيين. وهناك خليط جديد قديم دخلنا فيه بقوة السلاح بمباركة أميركا. والرئيس الأميركي جو بايدن نفسه قال "لو لم توجد إسرائيل لوجدناها"، وهو كاثوليكي".
وعمّا إذا كان يخشى من اقتطاع إسرائيل لمساحة من الجنوب، أوضح جنبلاط أنّه "ليس اقتطاعا. في الوقت الحاضر هناك تدمير ممنهج للجنوب. كلما تقدم الإسرائيلي ودخل أي قرية، سيدمرها ويمحوها من الوجود، لأن هناك مشروعا قديما جديدا من أيام الانتداب الفرنسي قبل أن تولد إسرائيل، لترحيل شيعة لبنان من جبل عامل إلى العراق؛ ولا تزال هذه الأفكار قائمة".
وعن قوله إنّ الموفد الأميركي آموس هوكشتاين خدعنا، فسّر أنّه "ربما خدعنا. هو وسيط حاول مع رئيس مجلس النواب نبيه بري مساعدة لبنان في ما يتعلق بالحدود. بقيت 13 نقطة، لكنه لا يمون على إدارة نتانياهو، وهو صديق لأولاد بايدن ويطمح إلى أن يصبح وزيرا للخارجية في حال انتخاب المرشّحة الديمقراطية كامالا هاريس"، مركّزًا على أنّ "كل الإدارة الاميركية أمام نتانياهو لا تساوي شيئاً، ولا نأمل تغييراً في السياسة الأميركية. ما حصل في غزة قام على ردة فعل، ولكن لا شيء يبرر إبادتها".
وبشأن تعامُل "حزب الله" منذ سنة إلى اليوم، أكّد أنّ "قبل اغتيال الأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله، كان هناك مجال من خلال بري لضبط الإيقاع إلى حد ما بواسطة قواعد الاشتباك، وكانت الأمور مقبولة إلى حد ما. وفي خطابه الأول بعد 7 تشرين الأول 2023، حاول نصرالله التمايز، وأوحى لنا أن هناك حركات عدة للمقاومة ولم يضعها في التصور نفسه. أما خطابه الثاني فكان مختلفا، ويبدو أن وحياً أو تعليمات ما قد وصلته".
وعمّا إذا كان "حزب الله" قد وقع في حسابات خاطئة، أجاب جنبلاط: "لا أستطيع الحكم. ستصدر كتب عدة في هذا الخصوص، لكن من اغتال السيد نصرالله عرف ماذا فعل، فقد ألغى المُحاوِر الداخلي. هذا رأيي. أصبحت إيران هي المُحاوِر في لبنان، ولم يعد نصرالله ولا البعض من فريق عمله"، مشيرًا إلى أنّه "يجب التمييز هنا بين "حزب الله" وسياساته، والطائفة الشيعية، وهي ليست بالضرورة منحازة إلى إيران. وأكبر دليل أن بري له زعامته وكيانه التاريخي. القسم الأكبر من شيعة لبنان مع المرجعية العربية التي يمثلها السيد علي السيستاني، ولا أعتقد أن كل الشيعة مع وحدة المسارات".
وعمّا إذا يمكن القول إن حرب إسرائيل على لبنان هي حرب أميركا مع إيران على أرضنا، رأى أنها "حرب نتانياهو مع المحيط الذي يشكل خطراً عليه، وهو يريد إزالته. ليس هناك فلسطين بالمنظور الصهيوني، من بن غوريون إلى غولدا مائير إلى رابين، ولم يكن الأخير صاحب مشروع سلام. كان يميل إلى تسوية مع النظام السوري لا الفلسطيني".
أمّا حول ما إذا كان القرار 1701 قابلا للتّطبيق عند إسرائيل، فذكر أنّ "الإسرائيلي سرّ[ صيغة جديدة مرافقة للـ1701، من بنودها أنه من المنظور الإسرائيلي- الأميركي يحق القيام بدوريات وطيران وضرب كل ما يريدون. وهذا ما يذكرنا إلى حد ما باتفاق 17 أيار، أي نوع من الوصاية الأميركية على لبنان من إسرائيل، وهو ما رفضناه آنذاك، وكانت موازين القوى مختلفة، وإن شاء الله "تنذكر وما تنعاد".
وعمّا هو مطلوب من "حزب الله" اليوم، شدّد جنبلاط على أنّ المطلوب من إسرائيل وليس من الحزب تطبيق الـ1701 فحسب، ونحن معه ومع النقاش في القرار 1559، الذي أتى في ظرف مختلف لسنة 2004"، مذكّرًا بأنّ "في شهادتي للمحكمة الدولية آنذاك في لاهاي، قلت إن رئيس الحكومة الراحل رفيق الحريري لم يكن على علم بهذا القرار، بل أعده الرئيس الفرنسي الراحل جاك شيراك ووزير الخارجية الأميركية السابقة كوندوليزا رايس وجورج بوش جونيور، ربما بمشاركة بعض العرب. وتناول ثلاثة بنود: انسحاب الجيش السوري وتجريد الميليشيات اللبنانية وغير اللبنانية من السلاح".
وأضاف: "تحقق منها بعد مقتل الحريري انسحاب الجيش السوري، ولن يتحقق الباقي إلا بتفاهم داخلي مع "حزب الله"، لكن من سنحاور في الحزب؟ في هذا القرار كانت هناك ثلاثة أحكام إعدام، وخرج النظام السوري على دم الحريري. لنعد إلى الأساسيات. اتفاق الطائف الذي يتحدث عن اتفاقية الهدنة عام 1949 وبسط سيادة الدولة الكاملة في لبنان، وهي تنص على توازن السلاح والقوى المسلحة من جهة إسرائيل ولبنان. فهل يمكننا أن نصل اليوم إلى اتفاق هدنة معدل؟".
ولفت إلى "أنّني لست مقتنعا بأن أي إدارة أميركية جديدة ستوقف الحرب. إذا أعيد انتخاب المرشح الجمهوري دونالد ترامب فلا أعرف مدى إمكان حصول هذا الأمر بواسطة صهره أو والد الأخير. نقدر على الصمود بقليل من الإدارة وانتخاب رئيس للجمهورية. لا نريد رئيساً للتحدي ولا نقبل بعدم امتلاكه حيثية مسيحية. هذا ما يريده بري".
وعمّن يفضّل من المرشحين؟، أجاب النائب السابق: "لا تدخلوني في السياسة الداخلية. ما يجري أخطر بكثير من بعض التفاصيل الداخلية المرهقة. يقوم بري ورئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي بعمل جبار يجب أن يُستكمل برئيس جمهورية ثم سلطة تنفيذية أفضل بكثير. أفضّل انتخاب رئيس جديد قبل أن نصل إلى الانتخابات النيابية المقبلة، وقد لا تكون في مثل هذا الجو"، مبيّنًا أنّ "لا اقتناع عندي بأن الإدارة الأميركية الجديدة ستوقف الحرب. وإذا فاز ترامب فسنرى صهره أو والده".
وبموضوع التمديد لقائد الجيش جوزف عون، ركّز على أنّ "قائد الجيش كان كفيّا جداً في إدارة الجيش والمواجهة، ورفضت أيام السفيرة الأميركية السابقة دوروثي شيا وأمام الحالية ليزا جونسون أن يكون قائد الجيش الجديد بالإنابة. قد يكون هناك مشروع بالتمديد لقادة الأجهزة الأمنية كافة"، موضحًا "أنّني مع انتهاء دورة العرقلة حول تثبيت رئيس الأركان، وكفى. أتحدث هنا باسمي وباسم الطائفة الدرزية. وليكن التمديد في سلة واحدة. إن موضوع التمديد لقادة الأجهزة الأمنية هو في البرلمان. أما مرسوم رئيس الأركان فهو عند الحكومة، ويقول البعض إنه مخالف للدستور والطائف. كم عندنا من المخالفات... ليسمحوا لي".
وعمّا إذا كان جوزف عون يملك صفة المرشح التوافقي، نوّه إلى "أنّني لن أدخل في أي تسمية لرئيس الجمهورية. كل الأمور تحل عند انتخاب الرئيس، وإلا ستبقى الأمور بالتمديد والوكالة".
وحول ما إذا كان خائفا من حرب أهلية أو فوضى بسبب ملف النزوح، تساءل جنبلاط: "لماذا هذا الهاجس من بعض الناس، حتى من بعض الدروز؟ من سنحارب؟ هناك حرب ضد إسرائيل، ألا تكفي؟ كان هناك تصريح غير دقيق لوزير الدفاع الفرنسي وتصريح "أضرب" لوزيرة الخارجية الألمانية (انالينا بيربوك) وهي مستشرقة، مع أن الألمان يملكون أفضل مدارس الاستشراق. أطلب منها أن تعتذر إلى اللبنانيين عن تصريحاتها".
وأكّد أنّ "علينا أن نوفر للنازحين المزيد من مراكز الإيواء، لأن إسرائيل تضرب يمينا وشمالا. خريطة الحل هي وقف النار، لأن إسرائيل تضرب يمينا وشمالا. وفي اجتماعنا مع بري وميقاتي طالبنا بوقف النار وانتخاب رئيس توافقي، لكن إسرائيل رفضت التهدئة. همّي الأساسي الآن يتركز على النازحين". وعمّا إذا كان يؤيّد ربط انتخاب الرئيس بوقف النار، اعتبر أنّ "تأخير الانتخاب وربطه بوقف النار، ليس له معنى".
وعن رؤيته لتعامل القوى المسيحية مع الاستحقاق الرّئاسي، قال: "لا أتابع. بيان عين التينة يدعو إلى الوفاق والحوار وانتخاب رئيس. وأوضحنا عبر النّائب وائل أبو فاعور ما حصل في هذا اللقاء، وصعد إلى أعالي القمم (معراب) والوديان والصحارى".
وعند سؤاله "أين إيران وسوريا من دعم لبنان وهما ترعيان محور الممانعة؟"، أفاد جنبلاط بـ"أنّني انتقدت تصريح وزير الخارجية الإيرانية عباس عراقجي. لا نريد صراحة أن نكون ساحة تصفية لحسابات أو تحسين شروط في المبارزة الكبرى النووية الإيرانية- الأميركية. نرى كيف أن أميركا تستطيع عندما تريد أن تحدد نوع الضربة لإيران. هكذا أرى الأمور من بعيد. فلتتفضل أميركا وتردع نتانياهو وتُملِ عليه وقف النار، ثم نرى بقية التفاصيل والـ1701 والطائف. لم تعد سوريا موجودة".
وعمّا إذا سيبقى لدينا نوع من توازن القوة حتى نرفض الـ1701 بصيغة جديدة، إذا استمرت الاعتداءات الإسرائيلية بهذا الشكل، أشار إلى أنّ "هناك واقعا على الأرض وشعبا يقاوم وليس فقط "حزب الله". هناك أيضا أناس يقاومون. أنا أحذّر مجددا من العودة إلى الأغلاط الإستراتيجية"، لافتًا إلى أنّه "يقول أحدهم في إسرائيل، حسناً أن تصل إلى الليطاني وما بعده ثم تصل إلى بيروت. هذا منطق جنوني. أعتقد أن توازن القوة على الأرض قائم رغم تفوق الإسرائيلي في الطيران".
كما رأى أنّ "وحدة الساحات مستمرة. نحن مع اتفاق الهدنة، يضاف إليه التزامنا القضية الفلسطينية، وليس من الضرورة أن تكون تحت نظرية وحدة الساحات او ما يريد نتانياهو أن يمليه علينا".
وتعليقًا على سؤال البعض لماذا لا يعلن لبنان وقف النار من جانب واحد ويحرج إسرائيل؟، اعتبر جنبلاط أنّ "هذه مزحة. إذا طبقنا الـ1701، فيجب تجهيز لواءين في الجيش، يكلّفان مليار دولار. لقد أعطت أميركا إسرائيل 17 أو 18 مليارا حتى الآن. لا يناقش الـ1559 إلا بالحوار والإستراتيجية الدفاعية مع تثبيت الهدنة، وكفانا حروبا"، مشدّدًا على أنّ "المطلوب إعطاء طمأنة المواطن للعيش في الجنوب، لأن قراه تستباح وتدمر بالكامل. نحتاج إلى قوة فاعلة مع القوة الدولية، والدول المشاركة فيها لن تغادر ولن يتكرر سيناريو 1982".
ووجد أنّ "فرنسا ما زالت فاعلة على الصّعيد السّياسي في لبنان". وعن رؤيته لحادثة الخطف في البترون، أوضح أنّ "لا معلومات لديّ. المطلوب تعزيز الجيش لمنع تكرار مثل هذا الحوادث".
وعمّا إذا كان هناك تواطؤ ألماني في البحر، ركّز على أنّه "عندما تقرأ تصريحات وزيرة الخارجية الألمانية نقول إن كل شيء ممكن. لم أر انحيازا فاضحا إلى إسرائيل مثل الألماني".
وعن الهدف من لقاء بعذران، شرح جنبلاط أنّ "القطالب في بعذران تمثل خلوة تاريخية منذ 1976، وهذه المرة جمعت الكل من دون استثناء. واتفقت مع رئيس "الحزب الديمقراطي اللبناني" طلال أرسلان على استمرار هذه اللقاءات في أماكن أخرى، وأنا جاهز".
أمّا عن سبب إشراكه حفيده فؤاد، نجل رئيس "التقدمي" النائب تيمور جنبلاط، في اللقاءات الدرزية، كشف أنّه "سيتدرب على السياسة، وبعد تيمور هو من سيرث".
ولفت إلى "أنّنا ما زلنا في الطائف ويجب ألا نغير فيه. أعرف ان المطالبة بإلغاء الطائفية السياسية قد تشكل رفضا من كل القوى الدينية، ولكن يجب أن نصل إلى طريقة لتنفيذ هذا الطرح من النظام السوري آنذاك الذي لم يكن يريد وجود مجلس إضافي، واتفقنا بالعرف على أن يكون رئيسه درزيا".
وختم جنبلاط: "ننصح في الوقت الحاضر بألا ننفذ إلغاء الطائفية السياسية لأنها منذ أيام العثمانيين و1860. فلنستمر في النظام الملي والمطوّر قليلا وفي مجلس انتخابي لا طائفي. هناك تعديلات جذرية باللامركزية الإدارية، وأنا مع الموسعة شرط ألا نصل إلى المالية وسياسات خارجية منفصلة. أدعو إلى دراسة مشروع الوزير الأسبق زياد بارود، وأستغرب الدعوات إلى لبنان الصغير".