إستياءٌ لبناني من تغييبه عن "لقاء عمّان": هذه ضريبة النّأيّ بالنّفس
عبد الكافي الصمد
ما كاد إجتماع العاصمة الأردنية عمّان، الذي عقد في الأوّل من شهر أيّار الجاري، ينفضّ، حتى خرجت أصوات سياسية لبنانية، رسمية وحزبية، تشكو وتعترض على غياب لبنان عن ذلك الإجتماع الذي ناقش الأزمة السّورية، وخصوصاً الجانب المتعلق بالنّازحين، معتبرين أنّ التبريرات التي أعطيت لتغييب لبنان غير مقبولة، مطالبين بأن يكون لبنان حاضراً في جميع الإجتماعات التي تعقد في المنطقة والعالم لمناقشة أزمة النّازحين السّوريين، كونه من أكثر البلدان تأثراً سلبياً بتداعيات وجودهم فيه.
المسؤولون اللبنانيون أبدوا عتباً لاستبعادهم عن الإجتماع المذكور، وأصدرت وزارة الخارجية والمغتربين بياناً بهذا الصدد، في حين أبدت مصادر سياسية عدّة عدم إقتناعها في عدم مشاركة لبنان في الإجتماع المذكور، برغم التفهّم الذي أبدته وزارة الخارجية بطريقة ديبلوماسية.
الإعتراض الرسمي اللبناني على عدم دعوته لحضور "لقاء عمّان"، تجاوز في ظاهره العتب، بينما كان باطنه يتضمن إحتجاجاً شديداً على استبعاده، إنطلاقاً من جملة أسباب تعتبر بأنّ لبنان معني كغيره وأكثر من الدول العربية بتداعيات الأحداث في سوريا، وعلى وجه التحديد أزمة النّازحين مثل أيّ دولة من دول جوار سوريا، أمنياً وسياسياً وإقتصادياً وإنسانياً، بفعل إستضافته أعداداً كبيرة من النّازحين السّوريين يُقدّرون بأكثر من مليوني نازح، وهو يرزح تحت أعباء هذه التداعيات السّلبية التي طالت، وتفوق قدرته وتحمّله، وباتت تنذر بتفجير أزمات داخلية عدة تهدّد أمنه واستقراره. وأنّ لبنان معني أيضاً بكلّ القرارات التي تتخذ لتسهيل عودة النّازحين إلى بلادهم، ولا يُعقل أن يتم تغييبه عمّا يُتخذ من قرارات بهذا الخصوص.
لكنّ مصادر سياسية مطلعة أوضحت لموقع "06News" أنّ لبنان "غيّب نفسه في الأساس عن هكذا إجتماعات ولم يُغيّبه أحد، وبأنّ الحكومات اللبنانية المتعاقبة فضلت بسبب ضغوطات عليها وإنقسامات داخلها، عدم مقاربة الأزمة السّورية عموما أو أزمة النّازحين خصوصاً، أو مناقشتها مع الحكومة السّورية، أو الحكومات الأخرى المعنية بالأزمة السورية، رافعة شعار "النأي بالنفس"، الذي أوصلها في نهاية المطاف إلى ما هي عليه اليوم من ضعف داخلي وتجاهل خارجي في التعاطي معها حيال أزمة النازحين".
وأضافت المصادر أن هذا الشّعار (النأي بالنفس) "لم تستغله الحكومات اللبنانية كما يجب، إنّما استخدمته بالمقلوب فجاءت نتائجه عكسية، إذ بدل أن يشكّل هذا الشعار مدخلاً لمناقشة أزمة النّازحين مع الحكومة السّورية، في حين كانت حكومات عربية أخرى تعادي علناً الحكومة السّورية وتدعم المعارضة المسلحة، قبل أن تبدّل مواقفها وتفتح صفحة جديدة مع حكومة دمشق، فضّلت الحكومة اللبنانية إغلاق الباب أمام أيّ نقاش بين بيروت ودمشق في هذا الصدد، بعدما أبدت الحكومة السّورية في إحدى اللقاءات القليلة التي عقدها وزراء فيها مع وزراء في الحكومة اللبنانية إستعدادها لاستقبال 150 ألف نازح سوري شهرياً عائد من لبنان".
ورأت المصادر أنّ حكومة ميقاتي والوزراء المعنيين فيها "تعاطوا مع التعاون السّوري المذكور بتجاهل تام وكأنّه لم يكن، نتيجة ضغوطات داخلية وخارجية مورست عليهم، ما جعل الحكومة السّورية تقفل باب التفاوض والنقاش مع الحكومة اللبنانية، بعدما تبين أنّها غير قادرة على اتخاذ أي قرار في هذا الصدد".
الإستياء اللبناني من تغييبه عن "لقاء عمّان" إمتد إلى ملفات أخرى تتجاوز أزمة النّازحين وصولاً إلى أزمة الفراغ الرئاسي الذي مضى عليه أكثر من 6 أشهر. إذ أبدى كثيرون خشيتهم من أن يكون إستبعاد لبنان من المشاركة في لقاء عمّان يعني تراجع الإهتمام العربي بالأزمة اللبنانية، ومؤشّراً سلبياً على تأجيل التركيز العربي على تسريع الجهود لإنهاء الفراغ الرئاسي والمساهمة بانتخاب رئيس جديد للجمهورية إلى مرحلة لاحقة، مايعني إطالة أمد الفراغ الرئاسي.