دردشة في المشهد اللبناني والعيش المشترك
كتب الأستاذ ناصر الظنط
قبل المشهد اللبناني لا بد من إلقاء تحية العز و الفخار للشيخ الشهيد خضر عدنان الذي جسّد بصبره و صموده و ثباته ملحمةً بطولية ستترك أثرها الطيب على المستوى العربي و الاسلامي و حتى لدى أحرار العالم ، ناهيك عن أثرها المباشر على ساحة المواجهة المباركة على أرض فلسطين الحبيبة التي هبّت لتثأر لدماء الشهيدالطاهرة من الاقصى المبارك و القدس الشريف الى الضفة درع القدس و الى غزة هاشم التي تحمل سيف القدس.
نسأل الله تعالى قبول شهادته و لعائلته الكريمة و أهله و محبيه و للمجاهدين الصبر و السلوان و الثبات و للعدو الجبان الغزي و العار.
كما نتوجه لأهلنا في السودان ، سودان اللاءات الثلاث ، لا صلح لا اعتراف و لا استسلام ، و ببركة المقاومة و الشهادة أن يحقنوا دماءهم و يدّخروها للمعركة الفاصلة مع العدو الصهيوني الغاصب في القريب العاجل بإذن الله.
و بعد،
تتوالد الازمات في لبنان بشكل يومي بحيث لا يكاد يمر يومٌ إلا ونجد أنفسنا امام سجالات سياسية و إعلامية و تارة دستورية او قانونية او قضائية او .... و بالرغم من ضخامة الازمة الاقتصادية و المالية و الاجتماعية التي يمر بها بلدنا و من قساوتها على اغلب الناس و بعد الانهيار الهائل للعملة اللبنانية و إستفحال الهدر و الفساد و الفقر و العوز وبالتالي عدم امتلاك ترف إضاعة الوقت و ما يستدعيه ذلك من ضرورة إعلان حالة طوارئ للتصدي لكل الازمات المستجدة و التي طالت الإستشفاء و الماء و الدواء و الغذاء و الكهرباء و المحروقات والتربية و التعليم و ودائع المواطنين في المصارف ,ناهيك عن الإشكالات الأمنيةالمتفلتة . و ما من مشكلة نشات ووجدت طريقها للحل بل تتوالد الازمات و تتراكم مع انعدام القدرة على التفاهم حول سبل المعالجة , إننا امام إستعصاء شبه كامل يمنع مسيرة الحلول سواء لجهة انتخاب رئيس للجمهورية أو لكيفية إدارة الازمة في ظل غياب موقع الرئاسة الاولى و على سبيل المثال لا الحصر , الخلاف حول صلاحية حكومة تصريف الاعمال و السجال الذي ينشأ عند كل إجتماع لها حول جدول اعمالهاو عن صلاحياتها علماً ان اسمها يحمل الجواب ، انها حكومة تصريف الاعمال اي ان واجبها القيام بما يلزم لتصريف الاعمال و مواجهة المشاكل المستجدة و الفورية لتيسير امور الدولة و المجتمع ولا سيما في ظل الظروف الاستئنائية الحالية و كذلك السجال حول دور المجلس النيابي و الجلسات التشريعية لجهة الضرورة او عدمها . لا بل اكثر من ذلك بحيث طالت الخلافات ابسط الامور حتى كدنا نظن اننا في " عصفورية " كبيرة و لعل المشهد المؤلم الذي نتج عن ردود الفعل الغريبة و العجيبةإثر اقرار رئيس الحكومة تأجيل العمل بالتوقيت الصيفي لما بعد رمضان المبارك ما يشير الى هزالة أداء الكثير من العاملين في الشأن العام .
إنه قرار اداري عادي الهدف منه إراحة فئة من المواطنين (الصائمين )دون التسبب بأي ضرر للفئات الأخرى
و نشير هنا الى صدور قرار مشابه عن رئيس الحكومة سليم الحص و كذلك عن العماد ميشال عون و ذلك عام 1989 وحين كان في البلد حكومتين واحدة برئاسة الحص و الاخرى عسكرية برئاسة عون (غربية و مشرقية)و تنذكر و ما تنعاد.
فلماذا اذاً كل هذا الضجيج المفتعل حول مسالة إجرائية بسيطة كالمذكرات التي تصدر لتحديد العطلة الرسمية او غير ذلك من القرارات الادارية و التي لا يصدرها رئيس الجمهورية اصلاً لا بوجوده و لا بغيابه بل احيانا تصدر عن الامانة العامة لمجلس الوزراء او…
والجدير بالذكر انه لدينا في لبنان دوام خاص للعمل خلال شهر رمضان المبارك (تقليص ساعات العمل) فالقرار اذاًبخلفية اجتماعية و انسانية فقط ، حيث انه على الصائمين واجبات و سنن منها مثلاً وجبة السحور ( تسحروا فإن في السحور لبركة) و في كل الاحوال ماذا يضير المعترضون اذا سمحوا للصائمين بساعة نوم اضافية و هل يشكل الشعور مع الاخرين او اراحتهم اعتداء على الفئات الاخرى انه أمر معيب لم اجد تفسيراً او مبرراً او تعليلاً له ولا اظنه الا من قبيل التعالي و التعصب الاعمى و العنجهية ، و إن ذهب البعض لاعتبار ذلك سعياً لشد العصب الطائفي و البحث عن الشعبية. و الانكى من ذلك ان ردود الفعل لم تقتصر على الاحزاب السياسية بل تعدتها للمواقع الكنسية والتربوية و الاعلامية و غيرها ناهيك عن ما رافق ذلك من مواقف عنترية ، لنا توقيتنا و لكم توقيتكم ،لنا دولتنا و لكم دولتكم و لقد وضعه البعض في دائرة التخلف و التقدم و ما الى ذلك من كلام مسيئ للعيش المشترك الواحد.
لقد غفلت تلك المواقع والجهات ان الناس في لبنان يمارسون العيش المشترك بطريقة طبيعية و ربما فطرية انسانية,
بعيدا عن كل هذا التعصب المفتعل والطنين المصطنع من قبل تجار الازمات و المصطادون بالماء العكر
و هذا ما يتجلى في القرى المختلطة حيث يتشارك الناس الافراح و الاتراح كذلك في المؤسسات العامة و الخاصة و على سبيل المثال لا الحصر إمتناع المسيحي على الأكل امام زملائهم الصائمين في نهار رمضان و كذلك تامين المناوبة للمسلم بدل المسيحي ايام الأعياد المسيحية كما يداوم المسيحي بدلاً عن المسلم في أعياد المسلمين في الكثير من المؤسسات الامنيّة , المستشفيات , الكهرباء , الهاتف , المطاعم و المؤسسات السياحية و الافران و غيرها
و اختم بكلام لسماحة العلّامة الراحل السيد محمد حسين فضل الله رحمه
الله تعالى حيث يقول : أن اللبناني العامل و التاجر و الفلاح المسلم و المسيحي لم يتحاربا بل كانا متعايشين في افضل ما يمكن من تعايش في مناطق الشمال و الجنوب و البقاع المختلطة .... ثم يصف الطائفية بأنها حالة عشائريّة , هي طبل يرن دون ان يحمل داخله شيئاً هناك طبل مسيحي و طبل اسلامي و هناك دين إسلامي و دين مسيحي ويجب ان نفرق بين الطبل و الدين .
أصلح الله أحوالنا و أحوال بلادنا و أمتنا بفضله و كرمه.