الأخبار _ التعليم العالي يُدار بـ«الفتاوى»: استسهال مخالفة القوانين!
فاتن الحاج
في المديرية العامة للتعليم العالي، تتقدم «تسوية الأوضاع» على احترام القوانين، سواء في ملفات المعادلات والمصادقات أو في ملف الـ«كولوكيوم» أو في ملف الطلاب العراقيين. وينسحب ذلك على مدى قانونية الدور الذي يؤديه حالياً المكلف بشؤون إدارة المديرية مازن الخطيب، خصوصاً أن الصفة التي يعمل عبرها لا تخوّله القيام بصلاحيات المدير العام.
«لست مديراً عاماً»
يؤكد الخطيب لـ«الأخبار» أنه لم يوقع أي معاملة مالية، وإن كان يعدّ الجداول للوزير، علماً أن مرسوم البروتوكول العراقي، مثلاً، ينص على أن صرف الأموال المستوفاة من الطلاب العراقيين يتم بناء لاقتراح المدير العام وتوقيع الوزير.
كما يؤكد أنه لا يرأس اللجان في المديرية بصفة مدير عام. فهو على رأس لجنة المعادلات، مثلاً، من باب أنه ممثل الجامعة اللبنانية وأكبر الأعضاء سناً، أما اللجنة الفنية الأكاديمية فيرأسها العضو الأكبر سناً القاضي في مجلس شورى الدولة طلال بيضون. وإذ يشير إلى أن مخاطبة الجامعات ومتابعة المعاملات مع الوزارة من صلاحية من يدير المديرية، يشدّد على أنه لا يُحضّر جلسات مجلس التعليم العالي، وأن من يفعل ذلك هي أمانة سر المجلس، فيما يطّلع على جدول الأعمال فقط.
التفتيش المالي يحقق
في أموال البروتوكول العراقي
إذا لم يكن الخطيب مديراً عاماً، فلماذا يتواجد في مكتب المدير العام؟ وكيف يوقع تعليمات إدارية لموظفين فئة ثانية يُفترض أن تأتي الأوامر لهم من الوزير أو المدير العام وليس من قائم بالأعمال أو مستشار؟ علماً أن هناك مستندات في حوزة «الأخبار» تظهر أنه يعطي تعليمات للموظفين بصفته مديراً عاماً.
يقول الخطيب إنه أصر منذ اليوم الأول لحضوره إلى المديرية بعد فضيحة تزوير الشهادات عام 2018 على صدور مرسوم بتعيينه مديراً عاماً أصيلاً، وبعدما رفع وزير التربية السابق عباس الحلبي مرسوماً بذلك إلى مجلس الوزراء، إلا أن «الخلافات السياسية وعدم الاتفاق على سلة التعيينات حالت دون ذلك».
لكن، مع إصرار الحلبي على توليه المديرية وعدم قانونية قيامه بأي عمل إلى جانب عمله أستاذاً في الجامعة اللبنانية باستثناء تقديم الاستشارات، خرج المستشار القانوني للوزير القاضي سميح مداح بفتوى «قانونية» تقضي بابتكار منصب «متابعة» إدارة التعليم العالي. علماً أن هذه الصيغة لم تحظَ بموافقة مجلس الخدمة المدنية، وهو ما يقلل الخطيب من أهميته، إذ إن «ثلاثة أرباع الوظائف في الدولة غير مستوفية شروط مجلس الخدمة... لكن الدولة بدها تمشي».
مخالفة في المعادلات
استسهال مخالفة القوانين يتجلى بصورة أساسية في لجنة المعادلات في التعليم العالي بتركيبتها الحالية. فبذريعة الحاجة إلى إعطاء المعادلات للشهادات الجامعية داخل لبنان، تخالف اللجنة أحكام قانون التعليم العالي 285 /2024، إذ تدرس معادلات الشهادات داخل لبنان، وشهادات المؤهلين للتقدم لامتحانات الـ«كولوكيوم»، وتجبي رسوماً بالدولار، مرة تحت عنوان «بروتوكول» وأخرى تحت عنوان «هبة نقدية مشروطة من الواهب»، في حين أن المادة 28 من القانون تنص على أن اللجنة «تعنى بالاعتراف بالدراسات ومعادلة شهادات التعليم العالي التي تابعها أو نالها حملتها من خارج لبنان بما يوازيها في الدراسات والشهادات اللبنانية»، أي إن عملها يقتصر فقط على المعادلات خارج لبنان، ولا يحق لها دراسة أي ملفات أخرى.
قبل عام 1996، كانت في وزارة التربية لجنة واحدة تعادل الشهادات في التعليم ما قبل الجامعي والجامعي. ومع صدور المرسوم 8869 / 1996، انفصلت لجنة معادلات التعليم العالي عن لجنة معادلات التربية، وباتت هناك لجنة لمعادلة الشهادات في التعليم ما قبل الجامعي وثانية للشهادات الجامعية.
وفي 2014، صدر القانون 285 الذي نص على إنشاء لجنة المعادلات والاعتراف بشهادات التعليم العالي وفقاً لتركيبة مختلفة تماماً عن تركيبة اللجنة التي كانت تعمل منذ عام 1996.
ومنذ ذلك الحين، أصبح عدد اللجان ثلاثاً: واحدة للتعليم ما قبل الجامعي وثانية للتعليم العالي داخل لبنان، وثالثة للتعليم العالي خارج لبنان (أول لجنة أنشئت عام 2017)، في حين استمرت اللجنة المعنية بالمعادلات الجامعية داخل لبنان في إعطاء المعادلات وتنظيم امتحانات الـ«كولوكيوم» استناداً إلى المادة 76 من القانون نفسه. وفي عام 2019، فوجئت اللجنة الأخيرة بوقفها عن العمل وعقد الاجتماعات وحلها شفهياً، بحجة عدم وجود أموال لتأمين مصاريفها. وباتت لجنة الاعتراف المنصوص عنها في القانون 285 تتولى، في مخالفة للقانون، المعادلات داخل لبنان وخارجه، علماً أن هناك اختلافاً كبيراً في بنيتي اللجنتين.
غير أن لدى الخطيب رواية مختلفة، إذ أشار إلى أنه مع صدور القانون 285 كان مستحيلاً تطبيق المادة 28 نظراً إلى الأعداد الكبيرة من الطلاب داخل لبنان الذين يريدون معادلة شهاداتهم، فجرى الاستناد يومها إلى المادة 76 من القانون لتستطيع لجنة الاعتراف معادلة الشهادات خارج لبنان وداخله، وبالتالي «كانت هناك لجنة واحدة وليس لجنتين، منذ عام 2014، وقد حصلنا على رأي من هيئة التشريع والاستشارات في وزارة العدل يدعم هذا التوجه». غير أن الخطيب أغفل أن اللجنة السابقة المعنية بالمعادلات داخل لبنان استمرت في عملها لنحو سنتين، أي في الوقت نفسه الذي كانت تعمل فيه اللجنة المعنية بالمعادلات خارج لبنان، ثم جرى حلها فجأة لأسباب مجهولة، وإن كانت مصادر معنية تقول إن ذلك حصل خدمة لدعم الدكاكين الجامعية.
مثل هذه المخالفة القانونية تعرض، بحسب المصادر، المعادلات في التعليم العالي داخل لبنان للطعن في صحتها. والسؤال لماذا لم يتم تعديل نص المادة المتعلقة بالمعادلات بمادة وحيدة خلال عشر سنوات مضت؟
تأخير المعاملات
في ما يتعلق بتأخير إنجاز المعاملات والمصادقات حتى للطلاب العراقيين رغم وجود البروتوكول الذي قد يستمر سنة وربما أكثر، ينفي الخطيب وجود أي تأخير، مشيراً إلى عدد هائل من «طلبات المعادلة المسجلة على نظام المعادلات الإلكتروني غير المكررة (15 ألف طلب عام 2024)، في ظل نقص الكادر البشري»، مؤكداً «أننا نسعى إلى الانتقال إلى المكننة لزيادة الإنتاجية بنسبة 40 في المئة».
وبدلاً من أن تفرض مديرية التعليم العالي على الجامعات رفع لوائحها إلى الوزارة لمصادقة الشهادات على أساسها، لا تصادق المديرية أي شهادة ما لم تعرّف الجامعة عن الطالب الذي يضطر في كل مرة إلى مراسلة جامعته لتعرّف عنه. أما بالنسبة إلى تقديم طلبات المعادلات، فهناك شكوى من أن الخطيب يمنع الطلاب من تقديم الطلبات حضورياً ويتيح تقديمها «أونلاين» فقط، علماً أن المرسوم ينص على التقديم الحضوري، ولا يمكن إلغاء مادة أساسية من القانون من دون تعديلها.
سمسرات البروتوكول العراقي
ملف الطلاب العراقيين الذين يتابعون دراسة الماجستير والدكتوراه هو الأكثر تعقيداً. لكن الخطيب «يبشر» بأن هذا الملف سيقفل في حزيران المقبل، و«هناك فقط نحو 1000 معاملة ننتظرها من الجامعة الإسلامية». وكان الخطيب اهتم بتكوين ملف كامل حول الطلاب العراقيين، واعتنى بشكل أساسي بملف الرشاوى في المديرية العامة للتعليم العالي، فقابل 80 طالباً عراقياً وحاول أن يقنعهم بتسليمه فيديوهات وتسجيلات صوتية وصوراً ومستندات، وأودع فرع المعلومات المعطيات التي تظهر أن المتورطين هم سماسرة من خارج الوزارة، وليسوا موظفين.
لكن، تبيّن بعد ذلك أن من بين الموقوفين أمين سر لجنة المعادلات الجامعية وأمينة سر لجنة المصادقات الجامعية وعدداً من الموظفين، وأقر بأن هناك موظفين متورطين في الملف العراقي لم يُستدعوا إلى التحقيق.
ويلفت الخطيب إلى أنه سعى مع الوزير الحلبي وأمينة السر السابقة للمعادلات في التعليم ما قبل الجامعي أمل شعبان إلى تقديم خدمة سريعة لمعاملات الطلاب العراقيين عبر تقديم مشروع قانون إلى مجلس النواب بفرض بدل مالي يدخل في موازنة الدولة وتكون للوزارة نسبة مئوية منه لتغطية الأعمال الإضافية، إلا أن اقتراح القانون لم يبصر النور واستعيض عنه بما سمي «البروتوكول العراقي». وأوضح أن من يستفيد من البروتوكول هم الموظفون الذين يعملون في قسم المعادلات، وأشخاص تقتضي طبيعة عملهم البقاء خارج الدوام شرط أن يكون ذلك مدعماً بالبصمة. إلا أن معلومات «الأخبار» تفيد بأن هناك 400 شخص أضيفت أسماؤهم للاستفادة من البروتوكول بناء على ضغوط سياسية وتنفيعات، من دون أن يداوموا.
كذلك علمت «الأخبار» أن التفتيش المالي طلب من الخطيب منذ أكثر من 10 أيام تزويده بالمستندات و«الكشوفات» حول طريقة صرف أموال البروتوكول، إلا أن ذلك لم يحصل حتى الآن.