شبكات ضحايا الهجرة غير الشرعية ... السجن من ورائنا والبحر من أمامنا
كتبت رزان ملص
عقب غرق مركب من مراكب الهجرة غير الشرعية تندفع الدولة اللبنانية عبر أجهزتها الأمنية إلى ملاحقة ما يعرف بشبكات تهريب البشر . مداهمات وإعتقالات تطال كل من إرتبط بفعل ساهم بإنطلاق المركب الغارق على عكس المركب الذي يحط رحاله على الشواطى الأوروبية في سلام. عند كل فاجعة تحصل في عرض البحر يزج بالعشرات في السجون ساهموا بشكل أو بآخر بإنطلاق المركب وفي حين تقدمهم الدولة اللبنانية لللبنانيين كإنجاز أمني ضمن مسيرة تفكيك شبكات الهجرة غير الشرعية يظهر أن لجزء من هؤلاء المتورطين رواية أخرى.
وسام الملاحق قضائياً, يروي رحلة توريطه من قبل عصابة تهريب البشر، قائلا " أنا عاطل عن العمل منذ بداية الأزمة، شاركت مرات عديدة في قطع الطرقات للمطالبة بتغيير الطبقة الحاكمة حيث كنت آمل أن الحراك سوف يعود بنتائج تحسن من الوضع الإقتصادي إلا أنني أصبت بخيبة أمل بعد أن تبين أن الثورة ليست حقيقية ولم تدفع البلد الا لمزيد من الفوضى والإنهيار فقررت الهجرة من لبنان بأي طريقة ورحت أسعى خلف من يربطني بمن يتيح لي هذه الفرصة، لألتقي بشخص يعمل في مجال الهجرة غير الشرعية فسألني عن ما يرمز له في لغة التهريب بـ "السكة "اي نقطة الإبحار من الشاطئ والخروج خارج المياه الإقليمية، وطلب مني توفير مكان على شاطئ يمكن أن يكون نقطة لإنطلاق المركب لقاء بدل مادي لصاحب الأرض , فوافقت على البحث كوني أقيم في منزل يطل على البحر , شرط أن أكون أنا و زوجتي من ضمن المسافرين عليه دون اي مقابل مادي ليرد فوراً بالموافقة, وبعد بحث مطول , وجدت أحد مالكي العقارات المحاذية للشاطئ وعرضت عليه الموضوع فوافق على التواصل مع أحد أفراد هذه العصابة وعلى حد علمي انتهى النقاش برفض صاحب الارض العمل معه كون المبلغ المعروض عليه غير كاف، لأتفاجئ في ما بعد ان هذه الرحلة تنطلق من المكان نفسه الذي كان يطل على منزلي في منطقة بحنين. فما كان مني إلا ان إتصلت بصاحب العقار والذي نفى انطلاق الرحلة رغم أنني أشاهدها بعيني أثناء الحديث معه, فدفعني الفضول للبحث وراء ما يحدث لإحساسي بالخداع، فقصدت المكان الذي تتم فيه عملية التهريب لأتفاجئ بعناصر من الجيش تقتحم المكان ملقين القبض علينا , أوقفت على أثرها لمدة 72 ساعة على ذمة التحقيق ليعاد ويخلى سبيلي. وعند عودتي من الإحتجاز لمكان اقامتي قبالة الشاطئ, تفاجأت برحلة تهريب أخرى تنطلق من نفس المكان وهي التي راح ضحيتها 94 شخصا، علمت لاحقاً أن صاحب العقار وبعض الأشخاص المقربين منه قبضوا مبلغ مئة ألف دولار بدل الرحلة." ويضيف وسام " رأس العصابة محمي بشكل ما وهو يسرح ويمرح في بلدته أما المسافرين على المركب الذين دفعوا عشرات الآلاف وسببوا الموت لعوائلهم تعاملوا معاملة الأبطال والفرق بيني وبينهم أنني لم أكن أملك المال لأصعد على المركب، وأنا اليوم ملاحق ومطلوب للقضاء لانني رغبت أن أحجز لنفسي ولزوجتي مقعداً على المركب."
حال وسام كحال وسيم الذي أوقف لأسابيع بجرم تشكيل عصابة اتجار بالبشر ، كان ومازال عاطلاً عن العمل يروي ان السبب الأول والرئيسي الذي دفعه لخوض غمار هذه التجربة هو الوضع الاقتصادي السيئ و صعوبة تأمين قوت يومه ويضيف "انا كغيري من الشباب اسعى للحصول على حياة أفضل في هذه الاوضاع الصعبة وفي ظل ارتفاع بدلات الهجرة غير الشرعية التي لا أستطيع تحملها, عرض علي شخص الصعود مجاناً على متن رحلة اذا إستطعت تأمين عشرة ركاب، ولدى محاولتي الأولى للترويج للفكرة أمام مجموعة من الناس والذين سبق و أبدوا رغبة بالهجرة غير الشرعية , تفاجأت بدورية لقوى الأمن تزج بي بالسجن والآن أنا متروك على ذمة التحقيق ولا أستطيع إيجاد عمل, ولا حل امامي إلا محاولة الهجرة مرة أخرى."
"عرض عليّ شخص مبلغ خمسة ألاف دولار مقابل تسجيل مركب بإسمي، " يقول سامر الذي يعمل كصياد ويضيف "أبديت موافقة على الفكرة, كونها فرصة لا تتكرر وتشكل نافذة للخروج من الضيقة التي اعاني منها جراء الأزمة ، لم تصل الرحلة الى وجهتها وتمكن الجيش من منعها من الخروج الى المياه الدولية، انا حالياً متروك رهن التحقيق من قبل القضاء بتهمة تشكيل عصابة للإتجار بالبشر، وعلى قدر ما كانت الخمسة آلاف دولار تبدو مبلغاً كبيراً حين عرضت علي تظهر الآن أنها تافهة وأفسدتٌ حياتي بالمجان."
إنحسرت الهجرة غير الشرعية بسبب فصل الشتاء , وبإنتظار قدوم فصل الصيف حيث يتوقع أن تشهد هذه الرحلات مزيداً من الإقبال مع اشتداد الأزمة اللبنانية , الأمر الذي يضع الفئة الأكثر معاناة من اللبنانيين ضمن أربعة خيارات إما لاجئ في أوروبا لمن إستطاع إليها سبيلا أو غارق في عرض البحر ,وإما ناجي من الغرق و خسر كل شي في سبيل الهجرة , أو ملاحق من قبل القضاء .
ملاحظة ( إن الأسماء الواردة في هذا التحقيق هي أسماء مستعارة إحتراماً لرغبة الأشخاص الحقيقين في التحفظ على ذكر أسمائهم)