وحدة الأمم بين الفطرة والحاجة والوجوب - 2
25 آذار 2023

وحدة الأمم بين الفطرة والحاجة والوجوب - 2

ناصر الظنط

حيث أن الوحدة بين الجماعات و الأمم  حالة فطريّة عند بني البشر و حالة غرائزيّة طبيعيّة عند سائر المخلوقات و ما يفرضه ذلك من  التصدّي لكل ما يتعارض مع هذه الفطرة لاسيما أن الاجتماع و التعاون و التعاضد و التشارك ... هي حاجات ضروريّة في حياة الفرد و الاسرة و المجتمع , فحتّى الانبياء عليهم السّلام و هم المؤيدون من الله عز و جل كانوا يسألون الله تعالى العون و السند فها هو سيدنا موسى عليه السّلام و هو من أولى العزم من الرّسل يدعو ربّه :" واجعل لي وزيراً من أهلي هارون أخي أشدد به أزري و أشركه في أمري " و كانت الاستجابة من العزيز القدير :" سنشُدُّ عضدك بأخيك " صدق الله العظيم , أما سيدنا زكريا عليه السّلام فكان دعاؤه " و زكريا اذ نادى ربّه رب لا تذرني فرداً و أنت خير الوارثين " .

فالحاجة الى المؤازرة و المساندة شعر بها الانبياء عليهم السّلام فكيف بسائر النّاس , فالتشارك يبدأ من زواج ذكر و أنثى لتأسيس أسرة و يستمر لتشكيل عائلات و قبائل و عشائر و مجتمعات و دول ...و هكذا يبدو الاجتماع و التّعاون شرط لازم للبقاء و الانتاج المفيد و النمو و التطور , و ذلك في عالم الانسان و الحيوان و غير ذلك , فلو أردت انتاج العسل لكنت بحاجة لخليّة تضمّ عشرات الآلاف من النحل و لو أردت ظلاً يقيك حرّ الشمس للجأت الى شجرة وافرة الظلال تضم عشرات الاغصان و الاف الاوراق

و مع تطورات الحياة و تعقيداتها و تزايد متطلبات العيش عند الافراد و الجماعات , لجأت الكثير من الّدول الى التعاون و الانفتاح و تجاوزوا ما دار بينهم من حروب دمويّة و دمار و خراب ليشكلوا احلافاً عسكرية و أسواق مشتركة , كحلف الناتو و السوق الاوروبية المشتركة و الاتحاد الاوروبي و منطقة اليورو علماً أنها دولاً غنيّة و قويّة في آنٍ معاً

فلو ذهبت الى اوروبا لشعرت انك في دولة واحدة فقد تستطيع العبور بين فرنسا الى سويسرا او الى بلجيكا و من ثم الى هولندا و تجتاز الحدود ذهاباً و اياباً دون الشّعور بذلك حيث لا وجود لبوابات عبور او شرطة او امن عام او جمارك او ختم جوازات او نقاط تفتيش و قد لا تدرك انك انتقلت من بلد الى اخر الا من خلال ملاحظتك لشكل الطريق او لونه او الجدران المحيطة به او لتغيير في لون او شكل المصابيح الكهربائيّة او اسماء البلدات و المدن او عبر رسالة ترحيب على هاتفك الخليوي .

لقد ادركت كل تلك الدول و الامم أن الوحدة و التعاون و الانفتاح حاجة طبيعية و ضروريّة للحفاظ على ثرواتها و نموها و لحماية  امنها و اقتصادها و استقرارها و نفوذها ايضا .

أمام ما تقدم نتساءل , لماذا لا نرى مثل ذلك بين دولنا العربية و الاسلاميّة , لماذا لا تزال الحدود و السدود و ترفع تأشيرات الدخول و الخروج بين دولنا رغم أننا أمة واحدة ؟

إنها قضيّة معقدة جدّاً تتداخل فيها العوامل السياسيّة و العصبيات الطائفيّة و المذهبيّة و الجهوية و العرقية , ناهيك عن الانانيات و الحسابات الضيّقة و ربما كان العامل الأهم من كلّ ذلك هو الخضوع للنفوذ الأجنبي و لرغبات الدّول الأستعماريّة و لاسيما أمريكا الّتي تمارس هيمنتها فتعاقب هذا و تحاصر ذاك ... و على سبيل المثال لا الحصر , ما كان يعرف بقانون الغذاء و الدواء مقابل النّفط في العراق , احتلال افغانستان ثم العراق ،قانون قيصر ضد سوريا و الذي طالنا نحن في لبنان فمنع عنّا بسببه الغاز المصري و الكهرباء الأردنية رغم وعود السفيرة شيا و مندوب أمريكا في ترسيم الحدود البحريّة أموس هوكتشاين . كما كان لأمريكا ايضاً دوراً كبيراً في منع أيّ مساعدات عن لبنان لا من حلفائها و لا من خصومها و كان آخرها المبادرات الصينيّة و الروسيّة و الايرانيّة في مجالي النفط و الكهرباء .

علماً أننا بحاجة ماسّة لكل مساعدة كبيرة أو صغيرة في ظل ما نعانيه من أزمات ماليّه و اقتصاديّة و اجتماعيّة و سياسيّة.

لذلك ترانا نسعد بكل خطوة ايجابيّة من هنا او هناك, فقد سعدنا جميعاً عندما الغى العراق بدل التأشيرة عن اللبنانين , و هاهي البسمة تعلو الوجوه بإعلان الإتفاق الإيراني السعودي على أمل أن يشكّل خطوة على طريق لم الشمل و ايقاف الصراعات البينية و الداخليّة و نذهب جميعاً لتوحيد الصف و الكلمة بمواجهة الصهاينة المحتلّين و من يدعمهم و يساندهم و يتآمر علينا خدمةً لهم و لمخططاتهم الخبيثة التي يتصدى لها أبناء فلسطين الأشاوس بقوة و شجاعة منقطعة النظير نيابة عن الأمة كلها.

ولبحثنا تتمة في حلقة  قادمة  بإذن الله تعالى .

Add to Home screen
This app can be installed in your home screen