الدّيار _ عن جبهة الجنوب وقوّة المقاومة والتهديد "الإسرائيلي" والدور العربي
مريم نسركان لافتاً مشهد أهل الجنوب في قراهم، وتحديداً الحدودية منها في عيد الأضحى المبارك، ودليلاً على تمسّكهم بأرضهم وثباتهم وإرادتهم الصلبة، وثقتهم بقوة مقاومتهم التي أظهرت قدرتها على التحكّم بالجبهة كميزة جديدة، تُضاف الى كل ما قدّمته خلال تسعة أشهر من الحرب من جبهة إسناد لغزة لحرب استنزاف للعدو الصهيوني، الذي أظهر عجزه أمامها بالفعل، مستعيضاً عنها بتهديدات فارغة لا يصدّقها مستوطنوه قبل العالم، والمستهدَفون في لبنان من تصريحات مسؤوليه إن كانت بطريقة مباشرة أم عبر الأميركي، الذي بات مقتنعاً وراضخاً لإرادة وشروط حزب الله، حيث نُقِل عن الخارجية الأميركية قولها إن السبيل الأمثل لحل الوضع في شمال "إسرائيل" هو التوصل إلى وقف لإطلاق النار في غزة.
هذه اللوحة الجنوبية تزامنت وجاءت على وقع التهديدات "الإسرائيلية" التي تتكرر لجبهة الجنوب من بداية الحرب، والتي بات يُعرَف كل دافع ومنشأ لها من داخل الكيان:
- المنشأ الأول: يستخدم معارضو رئيس وزراء العدو بنيامين نتنياهو جبهة جنوب لبنان للضغط عليه للقبول بصفقة التبادل، بحيث وصل الأمر ببيني غانتس المستقيل من مجلس الحرب أن يقول: "نريد إنهاء جبهة غزة للتفرّغ لجبهة الشمال".
- المنشأ الثاني: جزء من حفلة التنافس السياسي تتعلّق بالإنتخابات المبكرة، التي دعا إليها غانتس لحظة إعلان استقالته، بمعنى كل هذه التصريحات هي من أجل المزايدة الانتخابية لكسب أصوات مستوطني الشمال.
- المنشأ الثالث: هو أن كلفة الجبهة الشمالية عند العدو الإسرائيلي زادت عن مستوى توقّعه، وتحوّلت من جبهة إسناد الى جبهة استنزاف وتهديد جدّي لأمن الكيان وهيبة جيشه...
- المنشأ الرابع: العقم والانسداد في جبهة غزة وعدم تحقيق أي إنجاز يُمكن أن يُستخدم، لفرض الشروط السياسية وصناعة صورة نصر تحتاج اليها حكومة نتنياهو.
- المنشأ الخامس: الاستفادة من الضوء الأخضر الدولي المُعطى للاحتلال لمواجهة المخاطر الوجودية على حدود الكيان، ولا يُستبعد التحريض العربي بهذا الاتجاه.. وهذا ما كشفت عنه المعلومات الواردة من اجتماع رؤساء أركان الدول الخليجية (السعودية - الإمارات- البحرين) ومصر مع رئيس أركان الجيش الصهيوني برعاية أميركية في البحرين...
هذا عن منشأ التهديد أما عن دلالاته فهي:
- الدلالة الأولى: كل ما تَقدَّم يدل على اتساع حجم المأزق الصهيوني، ليشمل حُماة الكيان الأميركيين و"الناتو" وحلفاءه من دول التطبيع العربي، بحيث يَظهر من التنسيق الأمني والسياسي والعسكري والاقتصادي الارتباط العضوي في المصير بين مكوّنات هذا الحلف، فالنفوذ الأميركي مرتبط بقوة "إسرائيل" وبقاء الأنظمة مرتبط بالنفوذ الأميركي.
- الدلالة الثانية: تَجلِّي حكمة التكتيك الذي اعتمده محور المقاومة في الإسناد والردع، والذي تحوّل تدريجياً الى تهديد جعل الكيان يُسارع الى طلب النجدة العربية بعد الأميركية.
- الدلالة الثالثة: الظهور التدريجي للأثر الذي أوجده كشْف المقاومة في لبنان عن الأسلحة والمديات والتقنيات الجديدة، والتي جعلت الجيش الصهيوني متردداً في خيار الغزو البري الذي سيوَاجَه على عمق ١٢ كلم في الداخل الفلسطيني، وهو مدى فعالية الصواريخ الموجَّهة والمُبصرة المضادة للدبابات، إضافة الى ما تم الكشف عنه من قدرات للطيران المسيّر وإمكانية استهداف المراكز الحساسة، بما فيها منظومات الدفاع الجوي "الإسرائيلي".
واللافت هنا، أنه إذا كان ما أظهرته المقاومة حتى الآن من قدرات أدى الى تردّد الجيش الصهيوني، وإظهار نفسه على هذه الصورة المهزوزة، فإن ما يُخفيه حزب الله يبدو أنه سيكون كافياً لحسم العدو لخياره السلبي أمام قوّة الردع.
رغم كل ما تقدّم يبقى السؤال يتكرر كما التهديد: هل هذه المعطيات كافية لاستبعاد فكرة الحرب المفتوحة على لبنان؟ هنا الجواب يحمل وجهيْن أو لغتين: فإذا كان بلغة المنطق فإن توسعة دائرة الحرب مستبعَدة، أما إذا كان بلغة الحماقة الصهيونية فلا شيء مستبعَد مع الكيان...