وحدة الامم بين الفطرة و الحاجة و الوجوب
كتب الأستاذ ناصر الظنطلطالما كنت أقصد مسجد الأمين في أبي سمراء -طرابلس -لبنان الشمالي للصلاة خلف فضيلة العلامة الراحل أمير حركة التوحيد الاسلامي الشيخ سعيد شعبان رحمة الله تعالى عليه . ذات مرّة و عقب صلاة الظهر إذا به يلمح من نافذة المسجد سرباً كبيراً من الطيور المهاجرة فيدعونا لرؤيته ثم يتلو علينا الآية الكريمة : و ما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحين إلا أمم أمثالكم .... صدق الله العظيم
لست هنا بصدد التعريف بشيخنا المجاهد رحمه الله , فهو غني عن التعريف , لكني أشير الى مدى ولعه بالقرآن الكريم و الرجوع الى آياته كدليل و حجة و سند في موافقه و آرائه و خطبه و دروسه ,لا بل إن أغلب دروسه و مواعظه كانت في تفسير القرآن الكريم و آياته و أحكامه. لقد أراد شيخنا الراحل رحمه الله إرشادنا الى فهم الآية الكريمة عبر هذا المشهد الجميل و لكي ندرك بأن الله تعالى أودع في الطيور و الدواب و الأسماك و غيرها من مخلوقاته الحيّة غريزة الاجتماع لتشكيل امماً و جماعات لها قوانينها و أساليبها في العيش و الحياة . هذا ما نراه في عوالم النمل و النحل و الاسماك على أنواعها و غيرهم الكثير،
إن الاجتماع و الوحدة حالات غريزية و طبيعية عند الحيوانات فيما هي بالتأكيد حالات فطريّة عند بني البشر و مما يشير الى ذلك قول الله تعالى : يا ايها الناس إنا خلقناكم من ذكر و أنثى و جعلناكم شعوباً و قبائل لتعارفوا إن اكرمكم عند الله اتقاكم إن الله عليم خبير (صدق الله العظيم )
إذاً الفطرة الانسانية تدفع الناس لتشكيل جماعات و قبائل و عشائر و امم و دول و بالتالي السعي لوحدة الأمم و الجماعات و الشعوب حالة طبيعية انسانية فطريّة بلا ريب
و ربما اراد شيخنا الراحل رحمة الله عليه أن يعطينا مثلا من واقع الحياة عند الطيور لكي يدعونا بدوره الى العمل الجماعي , الى التعاون و الى رص الصفوف ووحدة الكلمة , و الى وحدة الأمة و المسلمين , و هو الذي سكنت فكرة الوحدة الاسلامية في عقله و روحه ,حيث كان يدعو اليها ليل و نهار في حِلّهِ و ترحاله, ،في دروسه و خطبه و خطاباته و حواراته و...
أمام ما تقدم , حيث أن وحدة الأمة و المجتمع حالة طبيعية فطريّة انسانيّة , يصبح من البديهي القول أن كل ما يتناقض مع شروط الوحدة و الجماعة و مناخاتها و شروطها يشكّل حالة شاذّة غريبة و منبوذة و مرفوضة شكلاً و مضموناً.
ولما كانت الأسرة و سلامتها عنصراً أساسياً في بنية المجتمعات فكل تهديد للأسرة يصبح تهديدا للمجتمع و بالتالي لا بد من التصدي لكل الأفكار الهدامة الّتي برزت في السّنوات الاخيرة و ربما مع نهاية القرن الماضي , تلك الدّعوات الشيطانيّة المريبة و الغريبة عن الفطرة الانسانيّة , هذه الدعوات الّتي حملت عنوانين برّاقة و تبريرات مزيّفة كالمساواة و الحرية حيث راحو يسوّقون لفكرة الجندرة و اتفاقيات سيداو و حرّية اختيار الجنس و الشريك وصولاً الى المثليّة و الزواج المدني و اقتراح قانون موحد للأحوال الشخصية و غيرها…
إن الشذوذ ليس حالة حديثة العهد بل لها ما يماثلها في القرون السّابقة (قوم لوط على سبيل المثال لا الحصر ) و لعلّي اشبهها بالأمراض و الأوبئة و العدوى الّتي تفتك بالانسان و المجتمع و الامم بين الحين و الآخر . لذلك لابد من معالجتها و مواجهتها بل مقاومتها بعزم و مثابرة .
إن مواجهة هذه الظواهر الخبيثة الشاذّة أمر طبيعي عند المسلمين لتعارضها مع دينهم و اخلاقهم و قيمهم و لكنها واجبة أيضاً على سائر الامم و المجتمعات و الدول شرقاً و غرباً لانّها تحمل التدمير و الهلاك للأسرة و المجتمع و للبشريّة جمعاء.
فوحدة الامم حالة فطريّة و مقاومة ما يهدد وحدة الامم و المجتمعات من الواجبات الطبيعيّة على بني البشر.
و لبحثنا تتمة بإذن الله تعالى …