بين بكركي وميقاتي: هل هي رمّانة أم قلوب مليانة…؟
مرسال الترسإستغرب العديد من المراقبين حجم الفشل الّذي اتّسمت به الإطلالة التّلفزيونيّة الأخيرة لرئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي! حتّى أنّ البعض وصفها بالأسوأ للرجل منذ احتلّ المركز الثّالث في تراتبيّة السّلطة في لبنان قبل ثمانية عشر عاماً، وما سبقها من حضور وزاريّ ونيابيّ قبل عقدين ونصف من الزّمن!
فميقاتي الذي خَلَف في أوّل إطلالاته على الكرسي الثالثة أحد أشهر رُؤساء الحكومات في لبنان الشّهيد رفيق الحريري وأذار الأمور بوسطيّة ملفتة، وبتعاط مشهود له من السير بين النقاط، بين المكونات المعقدة للأفرقاء السّياسيّين في لبنان، من غير الجائز كان أن يقع في مثل هذه "الأخطاء المميتة" وهو ما زال اسمه قيد التداول لإمكانية عودته إلى الموقع في العهد المقبل نظراً للشّروط القاسية التي تضع على من يطمح لهكذا مناصب في لبنان!
فعلامات استفهام كبيرة وكثيرة طُرحت حول كيفية انزلاقه إلى موضوع حساس جداً في الحلقة، لجهة تطرقه إلى تعداد المسيحيين في لبنان، وبأنه انحدر إلى نسبة الـ 19 % وهو الذي لم ينس بالتأكيد أنّ الرئيس الشهيد الحريري كان قد أعلن وقف العد عندما اندفعت التجاذبات إلى حدود المواجهات الحادة وبأنّه من غير المسموح سوى أن تبقى المناصفة بين المسيحيين والمسلمين هي الجسر المحوري الذي يجب أن تُبنى عليه العلاقة بين مكونات السلطة في لبنان.
البطريركية المارونية لم تتأخر في الرد على رئيس حكومة تصريف الأعمال وبخاصة أنّ "رمانة" كانت قد فُتحت بينها وبينه عندما زارها السنة الماضية ووعد سيد الصرح بأنّه لن يدعو إلى جلسات حكومية إلّا عند الضّرورة القصوى حتّى لا يتمّ إلغاء تدريجي لدور رئيس الجمهورية الّذي بات "شبه صوري" بعد اتفاق الطائف. ولكنّ الكلام في بكركي سرعان ما محته الممارسات في السراي الحكومي. وأتى الإعلان التّلفزيوني عن التّعداد المسيحي ليُخرِجَ ما في الصّدور والقلوب ممّا كبت.
صحيح أنّ "المؤسّسة المارونيّة للانتشار" ومثلها بعد أيّام مؤسسة “الدّوليّة للمعلومات”، ذكّرتا الرئيس ميقاتي أنّ "نسبة المسيحيّين في القوائم الانتخابية تناهز الـ34.42%، وأنّ نسبة المسيحيّين الّذين اقترعوا في انتخابات العام الماضي بلغت 31.9%. وذلك استناداً إلى ما أعلنه وزير الدّاخليّة المحسوب سياسيّاً عليه القاضي بسّام مولوي، ولكن بيان البطريركيّة أنعش ذاكرته بأنّ هذا الأمر "قد تمّ تجاوزه في متن الدستور " لافتة إلى أنّ “ما يثير الاستغراب أكثر وأكثر هو التّوقيت وطرح هذه المسألة الوطنيّة الأبعاد في هذه المرحلة التي تقتضي المزيد من الالتزام بموجبات الدستور والميثاق الوطني". موضحة أنّ بكركي “لم تصدر أي تقرير يتضمن إحصاء لنسبة المسيحيّين، وتؤكد أنّ أعداد المسيحيّين في لبنان هي أكبر بكثير من النسبة المغلوطة التي نُسبت إلى التّقرير المزعوم".
وأكثر من ذلك، فإنّ مصادر قريبة من البطريركيّة (التي أُعطيَ لها مجد لبنان) تساءلت أمام موقع "06news " عن الدّور الذي قام به الرّئيس ميقاتي لحماية الوجود المسيحيّ في مدينته طرابلس وهو الذي يُعتبر منذ ثلاثة عقود أحد أبرز الزّعامات الطّرابلسيّة لا بل الشّماليّة لما له من حضور سياسيّ وماليّ واجتماعيّ، فها هم المخاتير المسيحيّين في المدينة مثلاً، ولاسيّما في القبّة والزّاهريّة مثلاً يفوزون بشقّ النّفس، لأنّ غالبيّة العائلات قد تركت المدينة وانتقلت إلى السّكن في مناطق أخرى بمجملها مسيحية(البترون،زغرتا، الكورة أو بيروت ولا تهتم بالعودة أثناء الانتخابات).
فهل إفاضة ميقاتي بما يدور في خُلده أتت معبّرة عن قناعته بأنّ عودته إلى السّراي لم تعد ميسّرة في العهد الجديد، وأراد أن يوصل الرسائل إلى من يعنيهم الأمر؟