الإنقسام حول النّازحين السّوريين في لبنان يُترجم في طرابلس
عبد الكافي الصمدما إنْ انتهت جلسة مجلس النواب، يوم الأربعاء 15 أيّار (مايو) الجاري، المخصصة لقضية النزوح السوري في لبنان، وما شهدته من إنقسام حاد لم يعد خافياً حول الموقف من هذه القضية، ومقاربتها، وطرق معالجتها، والموقف من منحة المليار يورو التي قدّمها الإتحاد الأوروبي إلى لبنان لمواجهة أعباء أكثر من مليوني نازح التي تضاربت المواقف حيالها، حتى ظنّ البعض أنّ هذه الجلسة نجحت في نزع فتيل الأزمة ونقل السّجال والنقاش حولها من الشّارع إلى داخل المؤسسات الدستورية والرسمية، وفي احتواء شد الحبال سياسياً وشعبياً حولها.
إذ قبل أن ينشف حبر التوصية التي أقرّها مجلس النوّاب حول القضية وأحالها رئيس المجلس الرئيس نبيه برّي إلى الحكومة للأخذ بها، حتى شهد الشّارع اللبناني، في مدينة طرابلس تحديداً، إنقساماً حول القضية، بعدما أعلنت جهتان تنظيم تحركات متناقضة حيال وجود النازحين السوريين في لبنان، إحداهما داعمة والثانية رافضة، وذلك للمرّة الأولى منذ بدء أزمة النزوح السوري إلى لبنان بعد اندلاع شرارة الأحداث في سوريا في العام 2011.
وإذا كان الشّارع اللبناني قد شهد في الأشهر الأخيرة تحرّكات مناهضة ومعارضة للنّازحين السّوريين في لبنان، من إعتصامات وتحرّكات وصولاً إلى قطع طرقات كما حصل في 8 نيسان (إبريل) الماضي في إثر اغتيال مسؤول القوات اللبنانية في جبيل باسكال سليمان على أيدي نازحين سوريين، أعقبها قيام التيّار الوطني الحرّ بتحركات واعتصامات داعية إلى إعادة النّازحين السّوريين إلى بلادهم بأسرع وقت، فإنّ حزب التحرير إختار أن ينفذ يوم الجمعة، 17 أيّار (مايو) الجاري إعتصاماً داعماً للنّازحين السوريين في لبنان، أمام سراي طرابلس، ومعترضاً على الحملات التحريضية ضدهم التي تشنّ لأسباب طائفية ومذهبية، في تطوّر هو الأول من نوعه في لبنان منذ بداية أزمة النزوح.
لكن ما إنْ أعلن حزب التحرير عن قيامه بتحركه الداعم للنازحين السوريين في لبنان، بعد صلاة الجمعة، حتى أعلنت جهة تطلق على نفسها "الحملة الوطنية لتحرير لبنان من الإحتلال الديموغرافي السوري"، وهي جهة تكشف عن نفسها للمرة الأولى، إلى قيام تحرّك مماثل في المكان نفسه، وفي التوقيت نفسه، ما دفع محافظ الشمال رمزي نهرا إلى اتخاذ قرار يقضي بمنع التظاهرتين معاً، حفاظاً على ما وصفه السلم الأهلي في طرابلس ولبنان معاً.
لا ريب أنّ الإنقسام في لبنان حول وجود النازحين السوريين فيه ليس جديداً، بل هو موجود منذ اليوم الأول لقدومهم إلى لبنان، وقبله، لكنّ ظهوره على السطح على هذا النحو، وفي طرابلس تحديداً، يعدّ مؤشراً على أنّ هذا الإنقسام مرشّح للتفاعل والإزدياد أكثر، وهو جاء نتيجة التباين في النظرة إلى هؤلاء النازحين وإلى الأحداث الجارية في سوريا منذ أكثر من 13 عاماً، ونتيجة حملات تحريض سياسية وطائفية ومذهبية يقوم بها البعض في لبنان وقد حذّر منها كثيرون في الآونة الأخيرة، وقد حفلت جلسة مجلس النواب الأخيرة بتحذيرات من هذا النوع، لمّا أشار أصحابها إلى أنّ مقاربة هذا الملف على هذا النحو ستكون له تداعيات خطيرة على الإستقرار الأمني الهشّ في لبنان، سواء على المدى القصير أو المدى البعيد معاً.
ويخشى في هذه الحال، إذا استمر الإنقسام الداخلي حول هذه القضية في التفاعل، وفي رفض المجتمع الدولي وعلى رأسه الولايات المتحدة والإتحاد الأوروبي بإعادة هؤلاء النّازحين إلى بلادهم، وفي رفضهم رفع العقوبات عن سوريا وعن الدول الشقيقة أو الصديقة لها، واصطفاف فئات لبنانية خلفهم، ورفضهم التواصل مع الحكومة السّورية لهذه الغاية، في تفاقم هذه الأزمة، بدل أن يكون التعاطي بواقعية ومسؤولية وبالتعاون مع سوريا مقدمة لمعالجة هذه الأزمة قبل استعصائها على الحلّ.