هكذا تخاذل العرب عن نصرة غزة: هل تنفع القمم؟
كتب المحررلم يتوقع أهل غزة المحاصرين يومًا أن تخذلهم غالبية الأنظمة العربية وحكامها، وأن يساوم بعضهم على دمائهم ومعاناتهم وآلامهم، ولم يخطر ببالهم أن عددًا من هذه الأنظمة ستستنفر كل طاقتها خدمةً لمن قتل أطفالهم ونساءهم وأحرق بيوتهم ومستشفياتهم واستباح كل ما يملكون.
المستغرب في الأمر أن هؤلاء الحكّام ومعهم جامعة الدول العربية لم يخجلوا من أنفسهم عندما رأوا دولاً من جميع أصقاع الأرض تهبّ لنصرة فلسطين العربية بعدما فضحت وسائل الإعلام العالمية إجرام الصهاينة ووحشيتهم.
جنوب إفريقيا وتشاد وفنزويلا وكولومبيا والبرازيل وتشيلي وبيليز وبوليفيا وإسبانيا وغيرهم تحركوا عبر المنظمات الدولية لمحاسبة "إسرائيل".
في هذا المقال وبمناسبة انعقاد القمة العربية الـ 33 في المنامة عاصمة البحرين.. نستعرض مواقف الدول العربية من الحرب التي يشنها على غزة منذ طوفان الأقصى في تشرين الأول/أكتوبر 2023 وحتى اليوم.
مواقف الدول العربية حيال غزة تكشفت منذ بداية العدوان الإسرائيلي على غزة. عدد منها تواطأ وتخاذل مع الكيان الصهيوني وأخذ ذلك أشكالاً متعددة، والبعض الآخر وقف موقف المتفرج، والباقي من الدول ساندتها سياسيًا وعسكريًا.
والذي عبّر أكثر عن هذه المواقف أكثر ما صدر خلال اجتماعات الجامعة العربية حيث توصلت بياناتها الى "إمكانية فتح حوار مع الأطراف الدولية والمجتمع الدولي، من دون اللجوء إلى عبارات خشنة أو حادة"، فيما خلا البيان من أيّ إشارة إلى دعم المقاومة الفلسطينية، لكن الدول الخمس الجزائر، ليبيا، العراق، سوريا، وتونس، تحفّظت على البيان كونه يساوي بين القاتل الإسرائيلي والضحية الفلسطينية.
كما تسبّبت الإجتماعات اللاحقة فى عودة كلاسيكية إلى تموضع الدول العربية بين معسكري "الاعتدال" و"الرفض"، فيما يخصّ النظر إلى "إسرائيل"، وكانت الكويت وسلطنة عمان ولبنان مما لحق بالمعسكر الأول.
الدول الداعمة
تونس وقفت وبتعليمات من رئيسها قيس سعيد الى جانب غزة، إذ اعتبرت أنّ "فلسطين ليست ملفًا أو قضية فيها مدّعٍ ومدّعى عليه، بل هي حقّ الشعب الفلسطيني الذي لا يمكن أن يسقط بالتقادم أو يسقطه الاحتلال الصهيوني".
الجزائر بدورها، نأت بنفسها عن كل قرارات الجامعة العربية رافضة المساواة بين حق الشعب الفلسطيني غير القابل للتصرف في تقرير مصيره ودعت مجلس الأمن الى الانعقاد فورًا وتقدمت بمشروع قرار يطالب بوقف فوري لإطلاق النار في غزة لأسباب إنسانية وبرفض التهجير القسري للمدنيين، وطالبت أيضًا بإعطاء إلزامية لقرار محكمة العدل الدولية في قضية الإبادة الجماعية التي رفعتها جنوب أفريقيا ضد "إسرائيل".
أما حكومة الوحدة الليبيبة المؤقتة، دعت الى دعم الشعب الفلسطيني في الدفاع عن نفسه لما يتعرّض له حاليًا من عدوان وانتهاكات لحقوقه.
سوريا تحفظّت مرارًا على أية صياغات تصدرها الجامعة العربية يُفهم منها المساواة بين المحتل الإسرائيلي والشعب الفلسطيني الرازح تحت الاحتلال، وجدّدت دعمها المطلق لأهل فلسطين المحتلة وحقهم في إقامة دولتهم وعاصمتها القدس ونضالهم المشروع ضد الاحتلال. بينما سجّل العراق تحفّظه على كل الفقرات الصادرة من بيانات الجامعة التي تعارض قوانينه المرعية، خاصة مصطلح "حلّ الدولتين" وعبارة "إدانة قتل المدنيين من الجانبين"، وأكدت على ضرورة إنهاء الحرب ووقوفها إلى جانب الشعب الفلسطيني في تحقيق تطلعاته ونيل كامل حقوقه المشروعة، وكان للمقاومة العراقية دور بارزاً في مساندة أهل غزة عبر استهدافها الأراضي الفلسطينية المحتلة بالصاريخ والطائرات المُسيرة.
الكويت دعت أيضًا الى مناصرة الشعب الفلسطيني في الحصول على مكتسباته وحقوقه المشروعة التي كفلها له القانون الدولي، واستنكرت "اعتداءات العدوان الإسرائيلي الغاشم، وما يقوم به من قصف وحصار وانتهاكات وحشية ودمار ومحاولات للتهجير القسري"، وطالب بإدخال مساعدات إنسانية وإغاثية.
كذلك طالبت سلطنة عمان "المجتمع الدولي بالتحرك العاجل لوضع حد للوضع المتدهور أمنياً وسياسياً وإنسانياً في قطاع غزة وضمان حماية المدنيين والمنشآت الطبية وفتح الممرات الآمنة، وشددت خارجيتها على الحاجة إلى الطلب من المحكمة الجنائية الدولية بتشكيل محكمة لجرائم الحرب المرتكبة بحق الشعب الفلسطيني في غزة، وملاحقة مجرمي الحرب في جميع المجازر التي ارتكبت".
اليمن ولبنان ساندا المقاومة الفلسطينية ليست فقط على المستوى الرسمي والشعبي بل فتحا جبهات مساندة، اليمنيون أشعلوا البحر الأحمر بالسفن المتجهة لـ"إسرائيل"، والمقاومة اللبنانية شردّت المستوطنين من الشمال الفلسطيني بفعل الصواريخ والمُسيرات وأوقعت خسائر كبيرة بقوات العدو بأرواح جنوده وعتاده.
دول المساهمة
رغم أن السعودية وحلفائها الإقليميين مثل مصر والأردن والإمارات والبحرين أدانوا الحرب الإسرائيلية على غزة في البداية، إلا أن ما ترجم فيما بعد على أرض الواقع يؤكد أن أنظمة هذه الدول خذلت أهل غزة، وتركتهم يواجهون الدمار والقتل والتجويع.
المساعدات الغذائية التي قدمتها السعودية والإمارات والأردن ومصر والبحرين وقطر للغزاويين لم تكف لـ 5% منهم، بل تسببت لهم في أماكن كثيرة بالقتل والمآسي.
دولة الإمارات برزت بوصفها المساند الإقليمي الأكبر لـ"إسرائيل" في عدوانها وأطلقت الأذرع الإعلامية والحسابات الالكترونية التابعة لها حملة دعم واسعة للكيان الغاصب ومحاولة شيطنة فصائل المقاومة الفلسطينية.
وفي موقف صادم وغير مسبوق عربيًا وإسلاميًا، جددت وزيرة الدولة لشؤون التعاون الدولي الإماراتية ريم الهاشمي في مجلس الأمن إدانة المقاومة على منبر المجلس، عندما وصفت هجماتها في غزة ضد الاحتلال الإسرائيلي بـ"البربرية والشنيعة".
أما السعودية وقفت موقف المتفرج، وأصدرت وزارة خارجيتها بياناً وُصف بأنه خجول ولاقى هجوماً كبيراً من الدول العربية والإسلامية، أكدت فيه أن "المملكة ما زالت على موقفها من القضية الفلسطينية، ورؤيتها بأن حل الدولتين هو الخيار العادل والضمان الوحيد للحفاظ على الأمن والسلام في المنطقة"، وأمام هذه المواقف الهزيلة، تردد كثيراً أن أبو ظبي والرياض شاركتا في فتح ممر بري لوجستي عبر الأردن الى "إسرائيل" من أجل دعم اسرائيل وتأمين احتياجاتها الغذائية في زمن الحرب.
مصر أظهرت منذ اندلاع الحرب في قطاع غزة اتباع دبلوماسية متوازنة بتأكيد تضامنها مع الفلسطينيين من جهة والحرص على الإبقاء على علاقاتها مع "إسرائيل" من جهة ثانية، لكن الواقع مختلف كليًا، فعبر رفح الممر الوحيد والشريان الرئيسي لسكان القطاع المحاصرين، أبقت عليه السلطات المصرية لفترات طويلة مغلق بوجه المساعدات الإنسانية.
وعندما بدأ الهجوم البري الإسرائيلي على المعبر ودخلت إليه قوات الإحتلال، لم تحرك القاهرة ساكنًا وتركت الغزاويين يواجهون القتل والجوع.
الأردن شأنها في ذلك شأن مصر، فبدلاً من أن تفتح حدودها مع الضفة الغربية لمساندة أهلها كي تخفف الضغط عن غزة المحاصرة، ضيقت الخناق عليهم بكل الوسائل، بل قامت بإسقاط عدد من الصواريخ الإيرانية فوق أراضيها المتوجهة لضرب أهداف إسرائيلية داخل الفلسطينية المحتلة.
المغرب وموريتانيا وقفت متفرجة على ما يدور في غزة، وحدها قطر حرّكت أجهزتها الدبلوماسية من أجل التوصل الى حل يوقف العدوان الإسرائيلي ولكن دون جدوى.
ومع انطلاق أعمال مجلس جامعة الدول العربية اليوم في العاصمة البحرينية المنامة على مستوى القمة في دورته العادية الثالثة والثلاثين، والتي ستناقش صياغة موقف عربي موحد تجاه القضية الفلسطينية، هل سيستفيق العرب من سباتهم وتتحرك ضمائرهم بعد استشهاد قرابة 35 ألف فلسطيني في واحدة من أكبر مذابح التاريخ بحق شعب أعزل.