الهزّات الأرضيّة تكشف عن فصلٍ جديدٍ في أزمة السّكن المزمنة
كتبت مريم حورانيكشف الزّلزال الأخير عن فصل جديد لأزمة السّكن في لبنان لتعود إلى الواجهة قضيّة الأبنية الّتي تشكّل خطراً على السّلامة العامة. نقابة المهندسين وبلديّات الشّمال استنفروا الجهود في الكشف عن المباني المتصدّعة ليتبيّن وجود حوالي 700 وحدة سكنيّة تشكّل خطرًا على ساكنيها في طرابلس وحدها دونًا عن باقي المناطق وفق ما صرّح به سابقاً رئيس بلديّة طرابلس أحمد قمر الدّين، إلّا أنّ الاندفاعة الظّرفيّة بقيت في إطار الإحصاء دون وجود خطّة معالجة فعليّة كما شابها في عدد من المناطق خلاف وتراشق واتّهامات بين اللّجان المكلّفة من البلديّات واللّجان المكلّفة من النّقابة .
تَبلّغ عدد من السّكّان في الشّمال إخطارات بضرورة إخلاء منازلهم حفاظًا على سلامتهم دون تأمين بديل لو بالحدّ الأدنى يقيهم مرارة التّشرّد .وعلى مبدأ "دبر راسك " انصرف قاطني المنازل المفترض إخلاءها إلى الخيار الأسرع وهو تأمين وحدة سكنيّة على سبيل الإيجار، لينكشف أمامهم واقع علاقة الابتزاز القائمة بين المُؤجِّر والمستأجر بظلّ الأزمة النّقديّة الّتي يمرّ فيها لبنان بالإضافة إلى ندرة الشُّقق المعروضة للإيجار كنتيجة لأزمة النّزوح السّوري إلى لبنان.
"جميع أصحاب المنازل الواقعة في طرابلس يطلبون إيجارات مرتفعة ، و المقبول منها يقع في مناطق بعيدة عن طرابلس ما سيكبّدني كلفة مواصلات تساوي في نهاية الشّهر كلفة الإيجار نفسه وأكثر" بحسب ما يرويه جميل, الموظّف في إحدى المؤسّسات الحكوميّة, ويضيف " تلقّيت إخطارًا بالإخلاء كون منزلي الأساسيّ معرّض لخطر الانهيار ،أسكن بشكل مؤقّت عند أحد أقاربي و أستمرّ بالبحث عبر مجموعات فايسبوك في محاولة لإيجاد شقّة مقبولة مقابل بدل إيجار باللّيرة اللّبنانيّة حصراً"
أمّا ياسمين المقيمة في منطقة أبي سمراء والّتي ظلّت تعاني منذ مدّة طويلة من طلبات المُؤجِّر والمتعلّقة بزيادة بدل الإيجار كلّ عدّة أشهر كونها تدفع باللّيرة اللّبنانيّة وفق ما صرّحت، وتضيف "صاحب المنزل يطلب مليوني ليرة إيجار و كلّ فترة يطالب بزيادة ، رغم أنّ المنزل يعاني من التّشقّقات والتّصدّعات، بالإضافة لتسرّب المياه من سقفه. بعد الهزّة زادت التّشقّقات و المبنى بأكمله أصبح معرّض للانهيار، فبدأ صاحب المنزل المطالبة بزيادة فوريّة على الإيجار بحجّة إجراء تصليحات وأنا حاليًّا في صدد البحث عن منزل بإيجار مقبول وأواجه صعوبة في إيجاد شقّة ضمن مواصفات الحدّ الأدنى للعيش وبدل الإيجار."
أمّا أحمد المقيم في منزل خاضع لقانون تمديد الإيجارات انتقل إليه حقّ إشغال المنزل من والده المتوفّي يقول " عشنا بصراع دائم مع المُؤجِّر الّذي حاول طيلة السّنين السّابقة إخراجنا من المنزل تحت حجج سقوط حقّنا بالتّمديد القانونيّ، عاد إلينا اليوم مسلّحًا بالهزّات الأرضيّة ليطلب الإخلاء بحجّة تصدّع المنزل وحاجته للتّرميم، لا أنكر أنّ المنزل لم يكن يصلح سابقًا ولا يصلح حاليًّا للسّكن ولكن في ظلّ عدم توفّر البديل لا خيار أمامي سوى البقاء والتّمسّك به ".
أزمة الإيجارات المزمنة والعلاقة الملتبسة بشكل دائم بين المُؤجِّر و المستأجِر دخلت فصلًا جديدًا يحاول كلا الطّرفين استغلاله في بلد باتت كلّ فئاته ضحايا. ففي حين يصرّ المُؤجِّر على دولرة الإيجار أو إبقاء منزله مغلق، يرزح المستأجر تحت ضغط عدم الشّعور في الاستقرار وانعدام الخيارات أمامه، في حين تبقى الدّولة الغائب الأبرز عن مشكلة أساسيّة تحتاج خططًا ودراساتٍ واستراتيجيّاتٍ لا بدّ من وضعها قيد التّنفيذ العاجل قبل فوات الأوان.