تحوّل الجماعة الإسلامية وتشييع الشّهيدين خلف: عودةٌ إلى جذور المقاومة
عبد الكافي الصمدلم يكن إغتيال جيش العدو الإسرائيلي، نهاية الأسبوع الماضي، القياديين في "قوات الفجر" (الجناح العسكري للجماعة الإسلامية) مصعب خلف وبلال خلف، عبر طائرة مسيّرة قصفت سيارة كانا بداخلها في بلدة ميدون بالبقاع الغربي، هو الحدث الذي شغل مختلف الأوساط في لبنان، إنّما تشييع جثتهما في بلدتهما ببنين بمحافظة عكار، وما شهده التشييع من حشد شعبي كبير، وتداعيات ذلك التشييع.
إذ برغم أنّ "الجماعة الاسلامية" سقط لها أكثر من شهيد في العمليات العسكرية التي قامت بها في الجنوب ضد العدو الإسرائيلي، واستهدفت مراكز ومقار عسكرية له داخل فلسطين المحتلة، منذ بدء المقاومة في لبنان الردّ على الإعتداءات الإسرائيلية ضد لبنان في 8 تشرين الأوّل من العام الماضي، فإنّ تشييع الشهيدين خلف قد استقطب الأضواء ولفت الأنظار واستدعى توقّف كثيرين عنده.
فقد أثبت التشييع حجم الحضور الشّعبي اللافت للجماعة الإسلامية في عكّار خصوصاً وفي الشّارع السنّي عموماً، وتأييد هذا الشّارع لخط المقاومة ضد العدو الإسرائيلي وفي دعمه المقاومة في قطاع غزّة ووقوفه إلى جانبها، وأنّ هذا الشّارع لم يحد عن ثوابته الوطنية والقومية والإسلامية نصرة لقضية فلسطين، وتعاطفه معها، برغم محاولات لم تتوقف في العقدين الأخيرين لإخراج هذا الشّارع من موقعه الطبيعي، والسعي لجعله يرتدي ثوباً غير ثوبه.
إلّا أنّ أكثر ما لفت الأنظار في التشييع هو "العراضة" العسكرية التي قامت بها قوات الفجر خلال التشييع، ما أثار مخاوف وقلق كثيرين، في الوسط السنّي وخارجه، تحديداً خصومها وخصوم خط المقاومة، من أن تكون العراضة مقدمة لأن تتحول الجماعة، خلال ظروف معينة، إلى تنظيم سياسي ـ عسكري في الطائفة السنّية يشبه حزب الله، ما جعلهم يطلقون مواقف سياسية محذّرة من هذه الظاهرة، مستندين إلى إطلاق النّار على نحو عشوائي من قبل مواطنين خلال التشييع، ليشيروا إلى مخاطر الفوضى الأمنية في حال لم يتم قطع الطريق أمام هذا التحوّل اللافت.
هواجس المعارضين للجماعة داخل الطائفة السنّية تنطلق من أمرين: الأول أن يكون ذلك مقدمة لأن تستميل الجماعة الشّارع السنّي إلى جانبها، على خلفية دعمها المقاومة في قطاع غزة، ما قد يؤدي لاحقاً إلى سحب الجماعة البساط من تحت أرجل كثيرين داخل الطائفة السنّية من أحزاب وقيادات، مستغلة في الوقت نفسه غياب أبرزها وهو تيار المستقبل بعد عزوفه ورئيسه الرئيس سعد الحريري عن العمل السياسي، وضعف حضور بقية القوى والأحزاب والشّخصيات السياسية السنّية الأخرى وعدم قدرتها على ملء الفراغ.
أمّا الأمر الثاني الذي أثار هواجس البعض داخل الطائفة السنّية فهو "تحالف" الجماعة مع حزب الله، ووقوفها بجانبه في خندق المقاومة، ما سيزيد من قوة خط المقاومة داخل لبنان وجعله بجناحين، سنّي وشيعي. إذ بعدما كان هذا البعض يشكو من المقاومة بجناح واحد، كيف سيكون حاله بعدما باتت المقاومة بجناحين؟
هواجس البعض داخل الطائفة السنّية من مشهد التشييع وتحوّل الجماعة الإسلامية، إمتد لاحقاً إلى أحزاب وقوى سياسية مسيحية، وهو ما ترجم في مواقف عبرت بوضوح عن قلق كبير يسود صفوفها لم تجد ما يطمئنها حياله، ولا الإجابة على أسئلة مقلقة كثيرة بالنسبة لها.
ومع أنّ المستائين من تحوّل الجماعة على هذا النحو، وكانوا وإيّاها حلفاء في سنوات ومحطات سابقة، عندما ابتعدت الجماعة عن حزب الله باستثناء تواصل ضيّق معه عبر قنوات محدودة، وانسحاب الأمر على حلفاء المقاومة في لبنان، عدا عن تورّط الجماعة بالوقوف إلى جانب المعارضة السورية ودعمها، ما جعل الجماعة تسير وراء خطاب سياسي لا يشبه تاريخها ولا موقعها، فإنّ التحوّل الأخير للجماعة قد أعادها إلى نصابها وانسجم مع أرضيتها الشعبية وأرضية أغلب الشّارع السنّي، الذي ترجم دعمه وتأييده لها وتعاطفه معها خلال تشييع الشهيدين خلف.