عودة طبيعية للبنان إلى سوريا وإنْ متأخّرة
عبد الكافي الصمدكان مشهد إصطفاف عشرات الشّاحنات والسّيّارات على الحدود اللبنانية ـ السّورية وهي محمّلة بمساعدات متنوعة متوجّهة من مختلف المناطق اللبنانية صوب المناطق السّورية التي نُكبت بزلزال 6 شباط الجاري الذي ضرب سوريا وتركيا، خير تعبير عن عمق العلاقات بين البلدين، وأنّ ما بينهما من روابط على مختلف الصّعد لا يمكن القفز فوقها، أو تجاهلها.
هذا المشهد الذي كان طبيعياً قبل "الحرب الكونية" على سوريا، وهو كان يفترض به أن يبقى قائماً برغم الحصار الجائر الذي فُرض قسراً على سوريا، برغم تعرّض لبنان لضغوط سياسية من قوى داخلية وإقليمية ودولية من أجل فكّ أواصر العلاقات مع سوريا، وصولاً إلى قطعها نهائياً إنْ أمكنهم، متجاهلين حقائق التاريخ والجغرافيا التي تجمع بينهما، والروابط الإقتصادية والإجتماعية والثقافية المتجذّرة عميقاً بين شعبي البلدين الجارين.
فعلى قاعدة أن تعود متأخراً خير من ألّا تعود أبداً، عادت المياه تقريباً إلى مجاريها بين البلدين، وإنْ كانت تلك العودة إمتزجت بكارثة الزلزال الذي ضرب 3 محافظات سورية، تاركاً وراءه كوارث إنسانية وإقتصادية وطبيعية قاسية، ستحتاج إلى سنوات عديدة لرأب تصدّعاتها ومعالجة ذيولها.
وإذا كان وقوف لبنان، الرسمي والشّعبي، إلى جانب سوريا أمراً يعتبر طبيعياً نظراً لوقوف السّوريين إلى جانب اللبنانيين خلال أزماتهم المتعاقبة، فإنّه ينبغي الإقرار ـ من باب أنّ الإعتراف بالخطأ فضيلة ـ أنّ هذا التضامن اللبناني مع أشقائهم السّوريين تأخّر كثيراً، وأنّه كان ينبغي عليهم، قبل الآخرين (والمقصود المتردّدين والخصوم، وحتى الإنتهازيين)، ليس أن يكونوا أوّل المبادرين بمدّ يد العون إلى سوريا برغم ظروف لبنان الصّعبة هذه الأيّام، إنّما كان عليهم أن يرفضوا الإلتزام بقانون "قيصر" الذي فرض حصاراً جائراً على سوريا، ومعه على لبنان أيضاً الذي تأثّر سلباً، بشكل أو بآخر، بتداعيات هذا القانون.
فسوريا ليست بلداً جارا وشقيقاً للبنان فحسب، بل هي الرئة الوحيدة التي يتنفّس عبرها، وهي الجدار العالي الذي استند ويستند إليه وقت الأزمات، وهي العمق الإستراتيجي للبنان قبل أيّ بلد آخر، وإلا ما معنى أن يدعو البعض في لبنان لعودة البلد إلى "الحضن العربي" من دون المرور في سوريا، وكيف يمكن قراءة دعوة البعض في لبنان وخارجه إلى تسهيل وصول المساعدات الإنسانية إلى المناطق التي نُكبت بالزلزال في سوريا، بينما هم لا يتوانون ـ في تناقض صارخ لمواقفهم ـ بالدعوة إلى إبقاء الحدود اللبنانية ـ السّورية مغلقة.
ومع ذلك فإنّ "عودة" لبنان الرسمي والشّعبي إلى سوريا، ولو من باب المساعدات الإنسانية كخطوة أولى، ينبغي أن تكون بداية لعودة المياه إلى مجاريها والعلاقات إلى طبيعتها بين بلدين إرتبط مصيرهما ببعضهما، وتطوير هذه العلاقات نحو الأفضل، وما تفكير وسعي البعض في لبنان إلى فكّ العرى وأواصر العلاقات مع سوريا سوى خطوة في الإتجاه الخاطىء، ومغامرة غير محمودة العواقب، سيكون لبنان وشعبه المتضرّر الأكبر بها.