إيران تدعم فلسطين.. معادلة قوة كتبها التاريخ وتؤكدها الحقيقة
كتب المحرربعد أسبوع واحد فقط على عودة الإمام الخميني الراحل إلى إيران من منفاه في باريس، وإعلانه سقوط الشاه محمد رضا بهلوي وإنتصار الثورة الإسلامية في إيران، حطّ رئيس منظمة التحرير الفلسطينية ياسر عرفات (أبو عمار) رحاله في طهران ليفتتح سفارة دولة فلسطين في المكان نفسه الذي كانت تشغله السفارة الصهيونية.. يومذاك أعلن الخميني في أول لقاء جمعه بـ "أبو عمار" مبدئية الموقف من الخطر الصهيوني والوجود السرطاني لإسرائيل الذي يتفشّى في جسد الأمة العربية والإسلامية، وقال: "نحن واضحون في موقفنا من الصهيونية، وهذا الموقف سيتجسّد أكثر بعد إنهاء مرحلة القضاء على ما تركه الشاه في إيران".
لم يحظَ الخميني بالوقت الكافي للقضاء على هذه التركة، التي كانت تعني تطهير إيران من عوامل التبعية لإسرائيل والغرب.
لطالما أكدت إيران على دعمها الشعب الفلسطيني وتحرير الأرض الفلسطينية من الإحتلال، وقدّمت كلّ إمكاناتها من أجل القضاء على "الغدة السرطانية التي يجب إزالتها من الوجود"، من منطلق مبدئي عقائدي وديني وأخلاقي، وليس إستغلالاً أو تقاطعاً في المصالح، فالقضية الفلسطينية لا تحتمل المساومة أو البراغماتية، ولا حسابات ربح أو خسارة في هذا السياق.
وهذا الموقف ليس جديداً في التوجّه الحاكم لدى القيادة الإسلامية في إيران، وليس ظرفاً مستجداً فرضه واقع قيام الدولة الإيرانية في سياق المواجهة مع القوى الكبرى في الشرق والغرب، فقد سبق أن إلتقى الخميني وفداً من حركة "فتح" في العام ۱۹٦٨، أي قبل إنتصار الثورة بسنوات، وشدّد آنذاك على وجوب قيام المسلمين "بمساعدة رجال فتح ومقاتليها في قوات "العاصفة" وسائر الفدائيين ومساندتهم بكل الطاقات والإمكانات"، مؤكداً "تخصيص قسم من الحقوق الشرعية من الزكاة للمجاهدين في سبيل الله المرابطين في خطوط الشرف والمجد للقضاء على الصهيونية الكافرة اللاإنسانية..".
وأتبع هذا الموقف بنداء وجهه بتاريخ ٢٩/١٠/۱۹۷۳ إلى المسلمين والإيرانيين، دعا فيه "الشعب الإيراني النبيل المسلم أن لا يقف محايداً إزاء عدوان إسرائيل الوحشي والمصائب التي يعانيها الأخوة العرب المسلمين.." مؤكداً أن "على الإيرانيين مساعدة إخوانهم بكل الطرق لتحرير أرض فلسطين والقضاء على الصهيونية".
حافظت إيران بقيادة الإمام السيد علي الخامنئي على هذا التوجّه، بل عملت على رفع مستوياته في المجالات كلّها وفق سياسة راسخة تحت عنوان "تحقيق الإقتدار"، ونجح فيها النظام الإسلامي من فرض وجوده على الخارطة الجيوسياسية في العالم، وكان من أهم نتائجه الحدّ من إستفحال الهيمنة الغربية على بعض شعوب المنطقة العربية والإسلامية وأنظمتها، ولا سيّما في العراق وسوريا واليمن، في حين شكّلت المقاومة في لبنان وفلسطين، وبفعل الدعم والمساندة التي قدّمتها إيران، نموذجاً فريداً إستطاع كسر القوالب الإنهزامية التي إعتمدها ويعتمدها معظم العرب، خصوصاً بعدما أصبحت القضية الفلسطينية بالنسبة إليهم مجرد نزاع حدودي، وليس صراعا وجودياً.
أما والجهود الراهنة في توفير مساعدات غذائية وطبية للشعب الفلسطيني البطل الصامد في وجه القتل والتشريد والتدمير المستمر، فإن إيران بمؤسساتها وشعبها قدّمت أنموذجاً راقياً في التعامل مع هذا الجانب، ففضلاً عن توفيرها الدعم الكامل المادي والعسكري لفصائل المقاومة الفلسطينية، لا تبخل في تقديم المعونات عبر الهلال الأحمر الإيراني، بما يراعي إحترام هذا الشعب الذي يرسم بصموده ومقاومته أروع لوحات المواجهة على مدى التاريخ القريب والبعيد، بعيداً عن الإستعراضات الجوية في إلقاء المعونات، والتي لم يعد خافياً على أحد أنها تتم بموافقة وتنسيق وإدارة الأمريكي والإسرائيلي سعياً لكسر فظاعة المشهد والصورة المأساوية التي يعيشها أبناء قطاع غزة الصامد.
وإذا ما أخذنا الأمر من جانب قومي فإن الأجدر بالعرب أنفسهم وبالدرجة الأولى أن يوفروا الحصانة الأمنية والعسكرية للشعب الفلسطيني وقضيته وتبّني هدف تحرير القدس الشريف الذي لا يشكّل قضية إسلامية بقدر ما يشكل قضية إنسانية شاملة تطال الرسالات السماوات كلها مسيحية كانت أو حتى يهودية، كما تطال الشعوب الحرّة والقيم الأخلاقية، وأن يوفروا الدعم المادي المعنوي والاجتماعي لهذا الشعب الذي يقف لوحده ليقاوم نيابة عن العرب كلّهم، ويتحمّل الصعاب في ظل واقع أسود تخلّى فيه معظم العرب عن مسؤوليتهم تجاه رفعه عن كاهله، والحد الأدنى لهذا الواجب هو كسر الحصار الذي يضربه الاحتلال على المعابر بين مصر وقطاع غزة دون تسوية أو اتفاقات يسعى فيها الأمريكي لأن يكون للإسرائيلي فيها اليد الطولى.
ولعلّ أفضل ما يعبّر عن القاعدة الأساسية التي يجب إتّباعها إزاء قضية فلسطين وشعبها ومقدّساتها وحيال إسرائيل ما سبق أن أعلنه الخميني في حديث لصحيفة "النهار" اللبنانية بتاريخ ۱۱/۱۲/۱۹۷۸ حيث قال: "إننا نقف ضد إسرائيل واحتلالها للأراضي العربية، وقرارنا كان ولا يزال هو الوقوف مع إخواننا الفلسطينيين لندافع عن حقّهم وقضاياهم.. إننا نعتبرهم إخواناً لنا في المصائب والكفاح وسندافع عن حقهم كما هم يفعلون.. أما القدس فيجب أن تعود إلى المسلمين.. والإسرائيليون هم مغتصبون للأراضي وللحقوق، وتجب إعادة جميع الأراضي التي احتلتها إسرائيل.. وإني آمل في أن تزول الخلافات العربية، وتتنبه الحكومات إلى القضايا الإسلامية، وتقطع إسرائيل النواة السرطانية وتزيلها من أراضيها".
وليس هناك أبلغ من هذا الكلام الذي تجسّد عملاً واقعياً وفعلاً على الأرض، ولم يكن مجرد شعار أو موقف يُدوّن في البيانات كما قرارات "الجامعة" العربية التي لم يعد يجمع دولها سوى البكاء الكاذب والنحيب المزيّف على أطلال فلسطين.