مبادرة تكتل الإعتدال: تعثّر يُمهّد لطيّ الصّفحة
عبد الكافي الصمدتعثرت مبادرة تكتل الإعتدال الوطني لحلّ الأزمة الرئاسية قبل أن تُنهي مرحلتها الأولى، التي اقتصرت على عرض أعضاء التكتل مبادرتهم على بقية الكتل النيابية، بعدما تبيّن من تعامل القوى السّياسية مع مبادرة التكتل، ومواقفهم منها، أنّ "طبخة" التسوية الرئاسية لم تنضج بعد، داخلياً وخارجياً، ما جعل الفرقاء في الداخل غير متحمّسين لأيّ مبادرة لن تكون إلّا محاولة لتقطيع الوقت.
الملاحظات التي أبديت من سياسيين ومراقبين على مبادرة التكتل الشّمالي، الذي وُلد في أعقاب الإنتخابات النيابية الأخيرة، كثيرة، من أبرزها ما يلي:
أولاً: بعد تشجيع مبدئي وشكلي من رئيس مجلس النوّاب نبيه برّي على مبادرة تكتل الإعتدال، جاء موقف النائب علي حسن خليل، المقرّب من برّي وعضو كتلته النيابية، ليفرمل إندفاعة مبادرة التكتل ويطرح تساؤلات حول مصيرها، وقدرتها على معالجة أزمة الرئاسة، بعدما كشف موقف خليل عن وجود تحفظات عند الثنائي الشيعي وحلفائه على المبادرة، كونها تضع شروطاً مسبقة على الحوار المرتقب، كما تصادر صلاحيات رئاسة المجلس (في إدارة الحوار وفتح الجلسات ورفعها)، معتبراً أنّ مبادرة التكتل "تعطل" دور المجلس النيابي كونها قائمة على عقد جلسات مفتوحة.
ثانياً: خلال لقاءات أعضاء التكتل النيابي الشّمالي مع رؤساء وممثلي بقية الكتل النيابية الأخرى، طُرحت عليهم أسئلة واستفسارات لم يملكوا أجوبة واضحة وكافية عليها، وقد كانت الأجوبة أقرب إلى الرمادية وبعيدة عن الحسم. من هذه الأسئلة: من سيشارك في المرحلة الثانية من مبادرتهم المتعلقة بجلسات "الميني" حوار، ومن سيديرها، وما هي القضايا والأفكار والرؤى التي ستطرح فيه، وهل سيكون نقاشاً لمجرد النقاش أم سينتج عنه التوصّل إلى تسوية لانتخاب رئيس للجمهورية، وهل سيثمر الحوار توافقاً حول مرشح واحد للرئاسة، أم سيكون حول مرشحيْن أو ثلاثة أم مفتوحاً؟
ثالثاً: أبدى البعض ترحيبه بحسن النيّة الذي أبداه أعضاء التكتل في مبادرتهم، لكنّه لا يكفي برأيّهم لإنجاحها، لأنّ ما عبّروا عنه بدا أقرب إلى السوريالية منه إلى الواقعية السياسية.
كما أنّ غياب الحنكة السّياسية والتجربة المتمرسة عند أغلبهم يشكل عائقاً أمام قدرتهم على فكفكة الألغام وإزالة العوائق التي قد تعترضهم.
رابعاً: الوزن السّياسي للتكتل، على الصعيد الوطني، لا يساعدهم في إنجاز مهمّة بهذا الحجم، بعدما فشل فيها آخرون أثقل وزناً وأكثر تأثيراً، يأتي على رأس هؤلاء الرئيس برّي الذي طرح في أوقات سابقة مبادرة للحوار حول مسألة الإستحقاق الرئاسي، غير أنّ رفض فرقاء أيّ حوار قبل انتخاب الرئيس، ووضعهم شروطاً مسبقة على الحوار، جعل برّي يُجمّد مبادرته.
خامساً: سادت شكوك بعد تعثّر مبادة تكتل الإعتدال، والإعتراضات والتحفّظات عليها، أنّ من دفع أعضاء التكتل من نوّاب شماليين، نحو إطلاق مبادرة بهذا الحجم وعلى هذا النحو، والتحرّك في هذا الإطار، يبدو أنّه تخلى عنهم في منتصف الطريق، بعدما لقي الظروف غير مؤاتية، وأبواب الحلّ ما تزال موصدة.
سادساً: لعلّه من باب المصادفة، برغم أنّه ليس في السّياسة وجودٌ للصدف، أنّ تحرّك أعضاء تكتل الإعتدال الوطني، كما تعثّر مبادرتهم، جاء بالتزامن مع إنفراط عقد اللجنة الخماسية، بعد إعلان غير رسمي من سفيرة الولايات المتحدة في لبنان ليزا جونسون إنسحاب بلادها من اللجنة (تضم أيضاً السّعودية وفرنسا ومصر وقطر)، وهو إنسحاب يعني على أقل تقدير تجميد عمل اللجنة، إنْ لم يكن إنتهاء دورها، ما طرح تساؤلات عدّة، من أبرزها: كيف يمكن لمبادرة تكتل نيابي لبناني النجاح بعد أيّام على انطلاقتها، بينما مبادرة 5 دول إقليمية ودولية فاعلة ومؤثّرة في لبنان واجهت فشلاً بعد مرور قرابة عام ونصف على قيامها؟