لماذا تجاهل الحريري الأوضاع المستجدة إقليمياً؟
مرسال الترسلم يختلف اللبنانيون بكل تشعباتهم السياسية، وتناقضاتهم التي لا تنتهي حتى على أبسط الأمور، على أهمية تواجد رئيس "تيار المستقبل" الرئيس السابق للحكومة سعد الحريري في لبنان لمدة أسبوع كامل لمناسبة الإحتفال بالذكرى التاسعة عشرة لإستشهاد والده، موجهاً حزمة من الرسائل في إتجاهات متعددة، باستثناء الحرب على غزة التي تعاطى معها بحذر شديد لفت العديد من المراقبين.
الواضح أن الحريري الإبن الذي يتوق للعودة الى لبنان لإستئناف مسيرته السياسية فيه، قد استغل مناسبة وجوده في بيروت لتوجيه سلسلة من البصمات اللافتة التي كان أبرزها أنه مازال رغم تعليق نشاطه السياسي قبل بضع سنوات الرقم الصعب في الطائفة السنية التي سجّلت تضعضعاً لافتاً في غيابه لأمرين: الأول عدم قدرة الشخصيات في الطائفة على ملء الفراغ الذي تركه.
والثاني سعي الطوائف والمذاهب الأخرى للتأثير في الطائفة ومحاولة إستيعاب ممثليها، ودفعهم إلى مواقع لم يكن بالإمكان إقناعهم بالتوجه نحوها بوجود آل الحريري.
ففي السياق السياسي كان لافتاً التكريم الذي خصّ به الحريري رئيس تيار المرده سليمان فرنجيه دون سواه عبر إقامة مأدبة عشاء على شرفه في بيت الوسط وهو الأمر الذي صعق من يسمون أنفسهم بالمعارضين فجاء لقائه بهم (القوات اللبنانية والكتائب وحتى الرئيس السابق للحكومة فؤاد السنيورة) ناشفاً لا بل ترك أكثر من انطباع سيء عن بعض اللقاءات التي رافقتها إخفاقات بروتوكولية عدة.
أما في ما يخص الأحداث الإقليمية ولاسيما الحرب على قطاع غزة التي قاربت اليوم المئة والأربعين دون تسجيل أي نصر تطمح إليه الدولة العبرية ولاسيما الإفراج عن الأسرى لدى حركة حماس والفصائل الأخرى بدون ثمن.
أو التطورات الميدانية في الجنوب اللبناني التي ترافقها تهديدات بالغة الخطورة إذا ما قُدّر لها أن تنزلق الى حرب لا يعرف غير الله مدى نتائجها المدمرة.
فقد لوحظ أن رئيس الحكومة السابق قد تعاطى معها بحذر شديد وكأنه يرتدي قفازات للإتقاء من تداعيات قد تعيد بالنسبة إليه الأمور إلى نقطة صفر، لاسيما إذا ما قاربها من وجهة نظر (طائفية مثلاً) ترتبط بكيفية تعاطف الطائفة مع أهالي غزة أو إرتباطاً بكيفية النظر إليها من زاوية بعض الدول الخليجية التي كانت تخطط لخطوات تطبيعية أو أكثر ربما، لحين تغيير المعادلات في السابع من تشرين الأول الفائت.
مهما يكن من أمر المستقبل السياسي للرئيس الحريري فإن ما سجّله في رحلته البيروتية الأخيرة سيبقى محل تجاذب وقراءات مختلفة إلى حين تقرير الخطوة الفاصلة في عودة التيار الأزرق الى الساحة السياسية في لبنان، والبعض يحدد لها توقيتاً في الانتخابات النيابية المقبلة في العام 2026!