ماري بشارة إعتزلت وبقيت تتربع على عرش سمو أميرة الغناء البلدي
بقلم روبير فرنجيةمن إهدن إلى الشالوت في جرد بلدة كرم المهر ترافقت مع الشاعر الدكتور أنطونيو الشيخوفا فإختزلت طريقنا مسيرة خالته المطربة ماري بشارة القصيرة السنوات والمكثفة والمتشعبة الأعمال التي أوقفها الزواج والمهجر الأسترالي .
أميرة الغناء البلدي إستقبلتنا بضحكة عريضة وبحفاوة وقربها إبنها " الناياتي " شربل نخول الذي حولته إصابة ناجمة عن حادث من عازف ناي لامع إلى مصور فوتوغرافي مميز .
بداية الجلسة إستعدنا معاً تقديمي لها في إفتتاح إنطلاق جمعية " منكبر سوا " في دير مار سمعان أيطو وإطلالتها على مسرح مهرجانات إهدن ١٩٩٣ على ساحة الميدان لتكرج الأسئلة مثل مياه السواقي جارتها .
ضيافة شراب توت الضيعة وركوة القهوة سبقوا ضيافة الصوت والصدى .
إحتضن أنطونيو عوده ووقفت ماري بشارة إبنة ال٧٧ سنة أمام عدستنا الهاتفية تنشد : يا مسبحة من مسرحية " مسبحة ستي " في مهرجانات حمينا من تأليف الشاعر الراحل يونس الإبن .
لم تكن ماري راضية تماماً على ما قدمته لقد تغير صوتها كما تقول " التعب والشقاء والغربة وتربية الأولاد والبعد " وتضيف " أضف لذلك أنني أهملت صوتي دون تدريب " .
ولماذا تواصلين الغربة في الشتاءات نسألها وتجيب : صدقني لو كانت الطبابة متوافرة في لبنان مثل سدني وأستراليا لبقيت هنا كل فصول السنة لكن نحن نتقدم في السن وتواجهنا أمراض العمر فنسافر أنا وزوجي لنتعالج في أستراليا حيث كل ما نحتاجه في رحلة علاجنا نجده مؤمناً .
قلت لها أن أحد الإعلاميين واسمه مروان ناصر الدين يقدم برنامجاً في إذاعة لبنان إسمه " الزمن الجميل " وكلما شاهدته في أروقة الإذاعة يسألني عنك فهو يريد تخصيص حلقة تكريمية لك .
لم تعد ماري بشارة متحمسة للقاءات لكنها قدرت عاطفته ومحبته وإتصلنا به حيث وجه لها دعوة شخصية وإن تعذرت فمقابلة هاتفية .
ولأن الفنان روميو لحود يسأل عنها أيضاً إتصلنا به وأخذت الهاتف تخاطبه بحرارة " إشتقنالك يا أستاذ " وهو يسألها إن كان صوتها لا يزال رائعاً ويستعيدان تلك المرحلة الجميلة .
هنا تحول اللقاء إلى مقابلة رسمية بوقائعها .
تقول بأنها تعتذر على الذاكرة المثقوبة وتتذكر أن مشوار إنطلاقتها بدأ ببرنامج ترجح أن إسمه " نادي الهواة "وتجزم أنه من إذاعة لبنان الرسمية .
تستطرد متذكرة : وقفت وغنيت واثقة الوقفة والصوت العتابا لصباح وأغنية لنصري شمس الدين رحمهما الله وكان عمري ١٧ سنة وسمعت تصفيق الكبار من توفيق الباشا وعبد الغني شعبان ونقولا المني وروميو لحود ووليد غلمية وغيرهم .
جائزتي في البرنامج كانت مالياً ٢٥ ليرة لبنانية ومعنوياً وصولي إلى مهرجانات بعلبك لأتدرب وأصبح مطربة مسرحية كما سعى الشاعر الراحل يونس الإبن .
بدأت البروفات تخبر ماري بشارة وتقول كان الزمن مطلع الستينيات و"فرحتي مش سايعتني " وكان يفترض أن أشاطر الكبيرة صباح وأنا كنت نقطة في بحرها .
كان حسب النص الموعود ثمة ديالوغ مشترك بيننا وكنت أنا من سيغني سولو " يسلم لنا لبنان " وكنت أسمع الكبار يهمسون " صوتها بيهد الجبال " إلى أن جاءت الشحرورة وسمعتني وطلبت إبلاغي في اليوم التالي " ممنوع بنت بشارة أن تغني سولو ولا مانع من أن تبقى في الكورال " .
رفض يونس الإبن أن أكون في الكورس وكانت فرصتي الكبيرة في بطولة " مسبحة ستي " في مهرجانات حمينا - إهدن مع الأستاذ يونس والمخرج شكيب خوري وهناك ذقت طعم النجاح وسمعت شهادات الثناء والتقيت بالشاعر أنطوان القوال وزوجته لبيبة والمطرب المرحوم إلياس الشدراوي والمطربة أنطوانيت الدويهي والمطربة دنيا يونس وغيرهم .
هناك في حمينا أصبحت " المسبحة " على كل شفة ولسان وعقبها تزوجت وإعتزلت وأصبحت ماري بشارة نخول .
الإذاعة اللبنانية أنصفت ماري بشارة وصنفتها مطربة من صنف الدرجة الأولى واليوم تحفظ إسم كاظم الحاج علي وإسم أنطوان عون وتحفظ لهما الود والجميل .
كثيرة هي الأسماء في وجدان أميرة الغناء البلدي فهي تعاونت مع الأسعدين سابا والسبعلي ومع طانيوس الحملاوي يونس الإبن ومارون كرم وميشال طعمة و...
نعيدها إلى إهدن وتحاول أن تستعيد الحوارات التي يحفظها زوجها لويس لكنها تخفق قليلاً .
تقول حين نجحت كتب عني الكثير لكن الصحف والمجلات ضاعت من أرشيفي وبقيت بعض عناوينها في ذاكرتي مثل ما قاله النقيب الراحل ملحم كرم :" ماري بشارة بعبع صباح " أو ما عنونته إحدى المجلات حين سئلت في بدايتي ماذا تعملين فقلت بأن والدي علمني أن أكون راعية فجاء العنوان على الشكل التالي : من حلب البقرة إلى أضخم حدث فني .
تتذكر ماري بشارة حين غنت مع العملاق وديع الصافي ديو على نهر المرداشية قال لها :" لما طلعتي بالعتابا فتحتيلي قابليتي عالغنا " وتكررت مشاركتها الصافي الغناء في كسروان .
تتذكر أمير الناي المرحوم سركيس باسيم الذي رافقها بحفلاتها على ضفاف المرداشية - زغرتا وتقول أن صوت المطربة أوديت كعدو " حلو كتير " وكانت في سهراتها تغني لها دون معرفة شخصية " الليلة سهرتنا حلوة الليلة".
وقفت ماري بشارة على مدارج بعلبك في الكورس ووجوه فيروز ونصري شمس الدين وجورجات صايغ وسهام شماس لا تفارق مخيلتها من ذاك المهرجان .
كل وقفاتها المسرحية لا تضاهي بالنسبة إليها وقفة مهرجانات إهدن إذ تقول : حمينا الله على تلك الليالي . كل ليلة يغص المسرح بالهواء الطلق ب١٢ ألف نسمة وعلى مدى أسابيع .
لا أنسى صوت التصفيق الحار وأنا أنشد : إهدن يا جنة صفا وإيمان ومحبي - بتعطي المرضى الشفا وعالجود بتربي - ما عاش كل مين جفا وجافاكي يا ربي - عأرض فيها الوفا دايب مع المي " .
كما تسترجع ليونس الإبن عن إهدن : هالجرن ل وزنه مضمون - بدو زنود ل بتلبي - ل بدو يشيله بدو يكون - شبعان بإهدن كبه .
تتحدث عن والدها الخوري إلياس بشارة بمحبة كبيرة فهو الذي جعلها منذ صغرها شغوفة بالغناء وهو رغم حبه للفن ولصوتها تحمس لإعتزالها " فالبنت في تلك الأيام خلقت للزواج وليس للفن " .
رتلت ماري في قداديس وزياحات والدها " الأبونا " وفي رتبة دفن السيد المسيح في زغرتا بطلب ملح يومذاك من الخوري فرنسيس يمين .
غنت من شعر والدها الأغنية التي كان يؤديها شقيقها المطرب المرحوم بطرس بشارة والتي أصبحت بمثابة نشيد بلدة " كرم المهر"وهي :
أثمن شيء الحرية عند الإنسان - عيشة حلوه ومرضيه بخوف الرحمن - أرزة لبنان أرزتنا والإسم كبير - ما منغير عادتنا لو مهما يصير - وطالما الوحدة غايتنا والله النصير - ما بتتنكس رايتنا طول الازمان " .
٢٩ سنة عمر غربة ماري بشارة في أستراليا حيث بقيت تحيي كل سنة حفلة للجاليات .
٢٩ سنة أثمرت عائلة تشبهها بشغف وعشق الفن مؤلفة من :
بسام عازف كمان - شربل عازف ناي ومصور فوتوغرافي - ميشال عازف قانون - وليد مطرب برز في أستديو الفن بإنتزاعه ميدالية ذهبية لكنه فضل لقب مهندس بناء على لقب مطرب ليستمر بالغناء متى يشاء .
أولاد ماري بشارة فرقتها الموسيقية وإليهم إبن شقيقها جان بيار ( إسمه الفني وليد ) الذي شكل بروزاً في The voice وكذلك أولاد شقيقتها أنطونيو و إيفي و ألان الشيخوفا في العزف والغناء .
الأميرة لا تعلم من أطلق عليها لقب " أميرة الغناء البلدي " لكنها سعيدة بهذه الإمارة وهذا العرش .
إشتاقت الأميرة للفن وهي آخر ما قدمته من غناء بلدي كان بشريط متداول بكثرة من كلمات الشاعر فؤاد نعمان الخوري الذي أصابت كلماته حنجرتها إلا أنها رفضت عرض برنامج بارز the voice لتطل مع المخضرمين ومنهم الفنان عبدو ياغي لتختبر إن كان صوتها لا يزال يهد الجبال .
وليد بشارة حبة من عنقود الفن والمحبة :
يعود الفنان وليد بشارة إلى ساحة الغناء بعد غياب قصير مقدماً أغنية جديدة إستهوته بلحنها وتوزيعها وكلماتها والعنوان : “ عالجرح “هو الذي إعتاد على الجروح الغنائية منذ أن غنى لوائل الجسار في " أراب أيدول " اغنية " جرح الماضي " .
الأغنية التي بدأت تذاع من الموجات المختلفة كتب نصها نور الحسن ولحنها أحمد بركات على مقام الكورد وتحظى بالإنتشار الواسع إذ تخطى عدد المشاهدين لها أكثر من ٢٠٠ ألف مشاهد .
ثلاث أغنيات في رصيد إبن بلدة كرم المهر للآن أولى " بعد ما شفتي شي " يبدو أنه غير راغب بالرهان عليها كثيراً فهو غير متحمس للنوع التجاري وثانية هي " عالجرح " وثالثة سجلها وصورها إسمها " عندي طبع " لكنه يتأنى بإطلاقها رغم حماسه الكبير لمضمونها.
مشوار وليد بدأ عام ٢٠١٧ من برنامج أراب ايدول حيث وصل إلى مشهد التنافس الختامي بين ثمانية مشتركين قبل أن يحسم النتيجة محبوب العرب يعقوب شاهين .
أعضاء اللجنة الحكم الفنانين نانسي عجرم و أحلام ووائل كفوري وحسن الشافعي قدموا له في كل حلقة وإطلالة الثناء والتقدير .
لقد سجل عشرات الإطلالات في هذا البرنامج ونوع بالألوان التي قدمها في الموال والأغنية .
غنى للعملاق وديع الصافي ولوائل جسار وكفوري وجورج وسوف ولمعين شريف خارج البرنامج وغيرهم .
وكما صفقت له اللجنة الحكم وامتدحت حضوره ووصفت صوته بصوت الجبل صفق له أكثر من نجم ونجمة لكنه كان يعرف مسبقاً أن التصويت في لبنان مهما بلغت شدة الحماس لا يقارن بتواضعه مع تصويت الدول العربية أانه في الوسط الفني ما حك جلدك مثل ظفرك .
وليد بشارة وإسمه الحقيقي على بطاقة الهوية جان بيار هو إبن المطرب الراحل بطرس بشارة صاحب أغنية " زند المد الما بينهد " وعمته هي أميرة الغناء البلدي ماري بشارة وقد غير إسمه بعد أن إقترحوا عليه ومن بينهم الملحن سمير صفير إنتقاء وليد أو زياد أو ... كأسم فني .
قدم بعمره القصير سلسلة حفلات بين أستراليا ولبنان .
يعزف العود ويحب الفولكلور والطرب وهو مرتاح إلى التعامل مع شركة " وتري ".
ينتظر أصداء أغنية " عالجرح " ليطلق فيديو كليب " عندي طبع " من إخراج شهاب شهاب والذي صوره على الشواطىء الشمالية بعفوية بعيداً عن التمثيل والتكلف .
وكما غنى والده وعمته واقاربه ما كتبه جده " أثمن شي الحرية " يستجيب لطلبات الناس ويقدمها في سهراته التي سيستعيد رونقها الصيف المقبل باطلالته المتجددة .