الحُـبّ وحـده يبـقـى
14 شباط 2024

الحُـبّ وحـده يبـقـى" ينبـغـي أن يـظـهـر الحـبّ فـي الأفعـال أكـثر مـن الأقـوال"

بقلم د.جوزفين سلمان يمين

قــرأنــا أن الـديـن هـو أفـيـون الشـعـوب. هـذه مـن أكـثـر أقـوال الفـيـلسـوف والإقتـصـادي الألـمـانـي مــاركــس إقتـبـاســا،  ترجمت عـن الأصل الألـمـانــي، "Die Religion ... ist das Opium des Volkes" . أردف مـن المــعــاش بالـقـول : "الحـبّ هــو أفـيـون الـشـعـوب".

الحـبّ هـو مـثـل المـخـدرات. الحـبّ يـصـبـح إدمـاناً إذ أدركـنـا مفـاعـيـلــه فـي حـيـاتنـا. هــو عــلاج نفـســي. هـو شـعـور قـوي نحـو الآخــر. الحب هـو عـلاج فـي عـلم الـنـفــس العـيـادي. يـجـمــع عـلمـاء الـنـفـس عـلى أهمـيـة الحـب الـصـادق فـي حـيـاة الـفـرد.

إن الـشخص الأكـثـر قـدرة عـلى تـقـديـم "عـلاج" شـامـل فـعـّال لـك هـو/ هـي الشريك (ة) الـذي / الـتي تحبه /هـا. إن دعـم المـحـب وعـاطفـتـه هـو "الـدواء" الـرئـيـسي عـقـلـيـاً وفـسـيـولـوجـيـاً الـذي تحـتـاجـه للـتعامـل مـثـلاّ مـع الـرهـاب والإكـتـئـاب والـقـلـق الإجـتـمـاعـي وحـالـتـك الـجـسـديـة.  

ما هو الحب في عـلـم الـنـفـس؟ لـنــحــدّده. الحـبّ هـو شـعـور قـوي بـالمـودة والإرتـبـاط تـجـاه الآخــر. شـعـور قــويّ بـمـا يـكـفـي لـدفـع الإنـســان الـذي يشـعـر بـه إلـى الـبـحـث عـن الـقـرب الـجـسـدي، الـفـكـري أو حـتى الـخـيـالـي مـن المـحـبـوب. نـعـلـم جـمـيـعـاً أن الإنســان لا يمكـنـه أن يـعـيـش بمـفـرده. ليحـافـظ الإنـسـان عـلى ســلامـتـه العقـلـية وتـوازنــه النـفـسـي يـسـتـمر فـي بـنـاء عـلاقـات مـع الآخــر مـنـها الحـب. لـمـاذا ؟ لأنــه كــائــن إجتـمــاعــي. مــاذا يـحـصـل عـنـدمــا نــحـب؟  هـــنـاك تـفـسـيـر عـلـمـي : عـنـدمـا يـقـع المـرء فـي الـحـبّ، فـإن الـدوبـامـيـن الـذي يـطـلـقـه الجـسـم يـبـدأ فـي ممـارسـة تـأثـيـراتـه. النـشـوة والـرغـبـة والـرضا واللـذة والإمتـلاء هـي نتـائـج عـمـل هـذا الهـرمـون. هـو الـنـاقـل العـصـبـي الـذي يـنـشـط نـفـس مـنـاطـق الـدمــاغ مثــل الكـحـول والـتـبغ وغـيـرهـا مـن الـمـواد الـمـسـبـبـة لـلإدمـان. وفـقـاً لـدراسة أجـرتـهـا عـالـمة الأنثـروبـولـوجـيـا هـيـلـين فـيـشـرعـام 2010، فـإن المخـدرات والحـبّ يـسـبـبـان نـفـس الشـعـور بالمـتـعـة. لهـذا السبـب عـنـدمـا يـخـتـفـي الـدوبـامـيـن، نـرى نـفـس متـلازمـة الإنسـحـاب الـتي تـظهـر مـع الـمـخـدرات.

هـل تعـرف أي نوع مـن الحب تعـيـش مـع شـريـك حـيـاتـك؟ هـل هـنـاك إخـتـلافـات فـي عـلاقـتـك مـع مـرور الـوقـت؟  من المهم أن تـنـضج المكـونـات المـوجـودة بالـفـعـل فـي عـلاقـتـك حتى لا تضيع بمرور الـوقـت. إذا كان بعـضها نـادرًا، فجّــرب طرقًـا أخـرى لتـتألـق وتـسمــو. قـل لـي أي نـوع مـن الحـبّ تـعــيش؟ أقـول لـك مـن أنـت. صنفّ الحـبّ إلـى أنـواع منـهـا : الحـبّ غير المشروط ، الحـبّ الـرومـانـسـي، الحـبّ الـعـاطـفـي، الحـبّ الـجـسـدي، الحـبّ المـلـتـزم ، الحـبّ العـمـلـي... أي نـوع مـن الحـبّ تـعـيـش أنـت؟  حــددّ الـنـوع الـذي تـعـيــشه.

الحـبّ شـعـور بـسـيط، ممـكـن مــركّـب. قــد يعـتـقـد الـبـعـض أنـه مـعـقـد ويصعـب نـظـريـتـه. لا يمكـنــي أن أدعـي أنـنـي إستــوعـبـت كـمــال الحـبّ. أدرك أنـه مـن خـلال الحـبّ يـمـكـنـنـا تـحقـيـق الـمـسـتـحـيـل والـقـيـام بـأشـيـاء عـظـيـمـة. الحـبّ هـو مـحــرك. لكـن مـن المـفـارقـة أنـه بسـبب الحـبّ، يـمـكـنـنا أيـضـًا أن نـكـذب أو نـخـون أو حـتى يـؤدي فـي بـعـض الأحـيـان إلـى الـقـتـل.

يـمــكـن أن يـتـخـذ الـجذب بـين كائـنـيـن أشـكـالًا عـديـدة. يـمكـن أن يكـون جـنـسيـًا أو عـاطـفـيـًا أو فـكـريــًا أو حـتى روحـيــًا. كـل زوجـيـن  (couple  (همـا مخـتـلـفـان عـن زوجـيـن آخـريـن. يـخـتـلـف الجـميـع بصـفـاتـهـم وأخطـائـهـم وتـعـلـيمهـم وخـبـراتـهـم. كـل زوجـيـن يـغــذون قـصـة حـبّ فـريـدة مـن نـوعـهـا. لـم يكـن هـنـاك مـسـار محـدد مـسبـقـاً لـبـنـاء العـلاقـة الـرومـانـسـيـة. يـبـدو لـنـا بحـسـب الـدراســات أن جمـيـع الأزواج، دون اسـتـثـنـاء، يمـرون بثـلاث مـراحل متمـيـزة، طويـلـة إلـى حـد مـا : العـاطـفة، الـتـمايـز والإلتــزام. إعـتـمــادًا عـلى كـيفـيـة إمـتــزاج هـذه المكونـات الـثـلاثة الكـبرى سيـكـون لـديـنـا نــوع أو آخـر مـن الـعـلاقــات. نــعـلـم أن الـعـلاقـة المبـنـيّـة عـلى عـنصـر واحـد فـقـط مـن المكونـات الـثـلاثة سـوف تـتـبــدّد فـي الـنـهـايـة، لأنـهـا فـي حــدّ ذاتـهـا غـيـر كـافـيـة.

كـذلـك فـي عـلـم الـنـفـس الإجتـمـاعـي، بحـث فـي هـذا الموضـوع الرائع الـبـاحـث روبن فـإقـتـرح الـنـظـر فـي الحـبّ تحـت ثـلاثـة مـكـونـات رئـيـسـية : الـتـعـلـق بـشـخـص آخـر (نحن بحاجـة إلـى الآخر لتلـبيـة احـتـياجاتـنـا الخاصة للـرفاهـيـة والـسعـادة) ، الإهـتـمـام بـالآخـريــن (هـبـة الـذات والالـتـزام بالحـفـاظ عـلى العـلاقـة) والـشـعـور بـالـتـمـايـز تـجـاه الآخــر (الـتمايـز النفسي يعـتـمـد عـلى الطريـقة الـتي يـدرك بهـا الـفرد الـعالم المحـيط بـه وهـذا يعـني أن طريـقة تـعامـل الفـرد مـع الآخـرين تتـأثـر بمسـتوى تمـايـزه الـنفسـي. الأشخاص الذين لديهـم تمايـز نـفسـي يتصـفـون بكون أن لهـم أفـكـاراً خـاصة تمـيّـزهم عـن الآخـرين وهـم أكـثر ميـلاً لإسـتـخدام آلـية ضـبـط النفـس كـما أن طريـقة التـعـامـل مـع المعـلومـات وكـيـفيّة تحصيـلـهـا تتـأثـر بمستـوى الـتمايـز النفـسـي لـديهـم) .

أمــا شـتـاينبـرغ عـام 1988 يـقـدم لـنـا ، نظريـتـه الـثلاثـيـة عـن الحـبّ : حميـمـية، الإلـتـزام والصبـر. العلاقـة الحميـمـية تتـوافـق مـع العـنصر الـعـاطـفي: نـشعـر بالـقـرب، بالإرتـبـاط بالآخـر، وهـو تـرابـط قـوي. يتـضـمـن الإلتـزام (المعـرفي والسلـوكي) مكـونًا قـصير الـمدى (القرار بحب الآخر) وعـنصرًا طـويـل الـمدى هـو الصبـر (إستـمـرار العـلاقـة الـعـاطـفية والرومانسية). يتمـيز الشغـف بالإنجـذاب الجسـدي والـتـنشـيـط الـفسيـولوجي، فهـو العنصر التحـفـيزي للحـبّ. بالـنسـبـة للمـؤلـف، يـتـم العثـور عـلى كـل مكـوّن بـدرجات مختـلـفـة فـي أي عـلاقـة رومـانسـية. وفـقـاً لـه، فـإن مسـتـوى كـل منـهما سيحـدد نـوع الحـبّ الموجـود داخـل العـلاقـة.

يشـيـر فـيــر عـام 1988 إن الخصائص الشعـبية للحب هي: الثـقـة (رعـايـة بعـضهم البعـض) ، الصدق (الاهتمام برفاهية الآخرين)، الصداقة (الإحترام)، الولاء (قبول الآخر كما هـو) ، الإلتـزام (دعـم الآخـر).

حللّ عـلـماء الـنفـس تطـور كـل زوجين وفـقـاً لخـمـس مـراحل: شهر العسل، الصراع على السلطة، تـقـاسـم السـلـطة، الإلـتـزام والإنفـتـاح عـلى الآخـرين. بعـيـدًا عـن الإنـقـسـام الـزمـني، فـإن هـذه المـراحـل تتـداخـل وتـؤثـر عـلى بعضها البعض. كمـا تتحدد مـراحـل تطـور الـزوجـين بعاملـين: مـرور السنـين وأحـداث الحـيـاة. تتـقـاطع هـذه العـوامـل وتـؤدي، حسـب النـضج العاطـفي للـزوجـين، إلـى تقـييـمات أو أزمـات أو ثبـات أو خطـوات تـقـدم معـاً. هـذه المـراحـل، الصغـيرة أو الكـبيرة الـتي يـجـب الـتـغـلـّب عـليها، تـمـثـل الإنتـقـال إلـى مـرحلة أعـلـى مـن العـلاقـة فـتــعـمـل عـلى مساعـدة كـل مـن الـزوجـين عـلى الـنـمـو.

سر الـحـبّ الـذي يـدوم هـو الـتـكامـل بيـن الشـخـصـيـن. فـي مـســار الحـيـاة، يتعـلّـم ويخـتـبـر الجمـيـع فـي نـفـس الـوقـت الحـيـاة. يتـطّـور ويـتـغـيّـر كـل فــرد. مـن المسـتحـب أن يتـعـاطـف الـواحـد مـع الآخـر، فـيـكـون قـادر عـلى وضـع نفـسـه مكان الآخـر بلـطـف مـن أجـل تـطـويـره والـتـكامـل معـه. يحاول كل منهـمـا مـســانـدة الآخـر، والـعـمـل عـلـى إيـجـاد أرضـيـة مشـتـركـة للـتـكــامــل والتـطـور مـعـاً.

في أحـداث الحيـاة، يواجه الـثـنـائـي تغـيـيرات. يـمكـن للـتغـيـيرات أن تـؤدي إلـى إختـلال الـتـوازن بينـهـما: أن يصبحـا أهــل أو لا يصبحــا أهــل لأولاد، أو يغـّـيـران المهـنـة، أو يسـتـثـمران حيـاتهـمـا بكثافـة فـي العـمـل، أو تجـربـة وفـاة أحـد أفـراد أسـرتهـمـا، أو مـواجـهـة المـرض... إعـتمـادًا عـلى الـثـقـة والإلــتــزام، وخـصـوصـاً الحـبّ، فـإن الـثـنـائـي سيـكـون أكـثر أو أقـل قـدرة عـلى إجتـيـاز هـذه التغـيـيـرات. لكي يـبـقـى الـثـنـائـي صـامـد ومتــكـاتــف فـي هـذه الفـتـرات الإنتقـالـيـة أو الصعـبة، يجـب أن يـسـعى لإكـتـسـاب مستـوى كـافٍ مـن النـضج العـاطـفـي، أي الـعـمل عـلى التـمّـيـيز (عـدم الحكـم عـلى الآخـر أو ذاك). فيبحـث دائـمـًا وسـويـةً عـن الحـلـول مـن خـلال الحـوار. لـذا مـن المسـتـحب عـلى الـثـنـائــي تطـويـر قـدرتـه عـلى التعـامـل مـع النـزاعـات، وقـبـولها كـمـراحل طبيـعـيـة فـي الحـيـاة. يـبـوح الـثـنـائــي بالأشـياء لبعـضه البعـض. كـل فـرد يـتـغـيّـر وعـلـيـه إعـادة فـهـم نـفـسـه مـرة أخـرى وإعـادة فـهـم الآخـر. لـذا وجـوب الـتـأكـد مـن مستـوى العـلاقـة الحميـمـة بـين الـثـنـائـي، الحفـاظ عـليـهـا وتـغـذيــتــهــا بالـتـفـاهم والتعاطف. الـثـنـائـي المُتـكامـل هـما شـخـصــان واثـقــان من أنـفسهـمـا، غـنـيـان بالحـوار والحميـمـية، حيث يعـتـمد كـل شخـص عـلى شـريـكه لتحـقـيـق نـفـسـه بالـتـكامـل مـعـه.

كـلّ شـيء يعـود إلـى الحـبّ: إنّـه الحـبّ الـذي يـضـفـي الكـمـال والجـمــال عـلى حيــاتـنـــا. أقـول لكـم أكثـر مـن ذلـك بكـثـير. الحبّ يــحلّ الـعـقـد. يـُـســهــل الحــيـاة. هـو الـذي يعـطي قـيـمـة للـحـيـاة. "نـشـوة العـمـل والـحـيـاة هــو الحـبّ. لنـخـتـر مــقــاديــر ومكــونــات حـبـنــا. نـعــجــن ســويــةً الحــيــاة لــغــد أجــمــل، أفـضـل.

ما هو المحـور- المـحــرك؟  مـا هـو الـقـلـب الـنـابـض للـحـيـاة؟ بإخـتـصار، ما هو الشـيء الـذي يـعـطـي صـلابـة للحـيـاة ولـن يـزول أبـدًا؟ تــوافقــوننــي الـرأي هــو الحـبّ. الـذي يحــب أكـثـر يكـون الـرابـح الأكـبـر. ينبـغـي أن يـظـهـر الحـبّ فـي الأفعـال أكـثر مـن الأقـوال". الحـبّ وحـده هــو الكــافـي والبـاقـي.

الحــبّ هــو الُمُـحـرك الأقـوى، لا بـل "مُـحـرك الحـيـاة" ."الحـبّ هـو أن تـجـد غـِنـاك خـارج نفـسـك."

كـل عـيـد حـبّ والجـمـيـع بــحــبّ يـُــعــبّــر عــنــه بالـمُـعــاش.

 

جـوزفـيــن سـلمــان يـمــّـيـن 

أخصـائـيـة فـي عـلـم النـفـس الـعـيـادي والـدعـم الإجتماعي - أخصـائـيـة فـي عــلـم تـعـلــيم الكــبــار (الانـدراغـوجـي)

 

 

Add to Home screen
This app can be installed in your home screen