وساطات إنتهاء حرب غزّة: شروط المقاومة أم شروط إسرائيل؟
11 كانون الثاني 2024

وساطات إنتهاء حرب غزّة: شروط المقاومة أم شروط إسرائيل؟

عبد الكافي الصمد    

منذ اليوم الأوّل لعملية طوفان الأقصى التي نفذتها المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة ضد جيش الإحتلال الإسرائيلي، في 7 تشرين الأوّل الماضي، ردّاً على اعتداءات دولة الكيان المتكرّرة والمستمرة في حقّ المسجد الأقصى والمقدسات والسكّان في قطاع غزة والضفّة الغربية، لم تتوقف المساعي التي يبذلها وسطاء إقليميون ودوليون لإيقاف الحرب التي اقتربت من 100 يوم على اندلاعها.
آخر هذه الوساطات التي زعمت القناة الـ13 الإسرائيلية أمس بوجودها، تفيد أنّ قطر قدّمت مقترح تسوية ينصّ على صفقة تبادل أسرى، وتشمل إنسحاباً للجيش الإسرائيلي من غزة، ومغادرة قادة حركة المقاومة الإسلامية حماس للقطاع.

ومع أنّ الوساطة القطرية الأخيرة ليست الأولى التي تقدّمها لإيقاف الحرب، فإنّها تبدو في الشكل تشبه ما حصل في العام 1982 خلال اجتياح جيش الكيان لبنان ومحاصرته العاصمة بيروت، واشتراطه حينها مغادرة قادة منظمة التحرير الفلسطينية لبنان مقابل رفع الحصار وإيقاف الحرب، لكن في المضمون فإنّ ما حصل قبل أكثر من 40 عاماً ليس ممكناً تطبيقه مرّة ثانية اليوم.

أسباب كثيرة تحول دون تكرار ما حصل قبل 4 عقود اليوم، أبرزها سببين: الأوّل أنّ منظمة التحرير لم تكن موجودة في أرض فلسطينية مثل حال حماس اليوم، وكان هناك أطراف لبنانيون يدعون ويضغطون لمغادرة منظمة التحرير لبنان، بينما لا يوجد مثل هذا الواقع اليوم في قطاع غزة، حيث البيئة الشعبية حاضنة بقوة لحركة حماس وبقية قوى المقاومة، وداعمة لها إلى أبعد الحدود.

ثاني الأسباب أنّ إسرائيل تبحث عن نصر شكلي يحفظ لها ماء وجهها بعدما كسرت عملية طوفان الأقصى هيبة جيشها وأثبتت قوة المقاومة عسكرياً، وأدّت إلى انقسام حاد داخل الكيان يتوقع أن تظهر تداعياته الواسعة لاحقاً، وهذا النصر الشكلي لا تراه دولة الكيان في تحرير أسراها فقط مقابل إنسحاب قواتها من قطاع غزة كما تشترط قوى المقاومة، بل في إبعاد قادة حركة حماس عن غزة، وهو نصر لا يُنتظر أن تعطيه قوى المقاومة لإسرائيل، إنّما هذه القوى تنتظر أن تسفر الحرب وانتهاء العدوان الصهيوني عن إنتصار تجعله خطوة متقدمة على طريق التحرير الناجز وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة.

لكنّ اللافت أنّه في كلّ مرّة تتدخل إحدى الجهات على خط الوساطة لإيقاف الحرب، فإنّ جيش الإحتلال الصهيوني يصعّد عدوانه بحق المدنيين خصوصاً الأطفال والنساء، والمستشفيات المدارس ودور العبادة، كما يرتكب المزيد من المجازر البشعة، سواء في قطاع غزّة أو في الضفّة الغربية وجنوب لبنان، بهدف تحسين شروطه التفاوضية آملاً في تحقيق مطالبه، مدعوماً بحلفائه في المنطقة والعالم.

لكنّ قوى المقاومة، بالمقابل، لا تقف مكتوفة الأيدي حيال هذا التصعيد العدواني من قبل جيش الإحتلال الإسرائيلي.
فهي إلى جانب صمودها البطولي والأسطوري في قطاع غزة، وإثارتها قلقاً واسعاً في صفوف دولة الكيان خشية إنتقال المواجهة إلى الضفة الغربية التي تشهد تصعيداً لافتاً تتجاوز كونها إنتفاضة شعبية وتكاد تتحوّل إلى مواجهة عسكرية، فإنّ المواجهة إنتقلت بين محورها في المنطقة وإسرائيل وحلفائها إلى خارج حدود فلسطين المحتلة، بدءاً من جنوب لبنان مروراً باليمن والبحر الأحمر والعراق وصولاً إلى سوريا.
ما سبق يعني بكلّ بساطة أنّ أيّ مقترح تسوية لإيقاف الحرب لا يفترض به ليبصر النور أن يسعى إلى حفظ ماء وجه دولة الكيان الصهيوني فقط، لأنّه لن يتحقق، ذلك أنّ قوى المقاومة التي باتت اليوم في موقع أفضل لها على كلّ الصعد، عسكرياً وسياسياً وتفاوضياً وشعبياً وإعلامياً، وتراكم الخبرات في كلّ يوم مواجهة مع العدو، لن تقبل بأقلّ من تحقيق الحد الأدنى من طموحاتها التي تعمل عليها منذ نشأة الكيان قبل 75 عاماً، وصراعها المستمر معه بلا توقف منذ ذلك الحين.

 

Add to Home screen
This app can be installed in your home screen