إغتيال العاروري: تورّط العدو وتحرّر المقاومة
عبد الكافي الصمدإذا كانت عملية طوفان الأقصى التي نفّذتها المقاومة الفلسطينية في قطاع غزّة في 7 تشرين الأوّل من العام الماضي، ردّاً على الإعتداءات الإسرائيلية على المسجد الأقصى وفي الأراضي المحتلة، جعلت المنطقة أمام متغيرات هائلة لن يكون ما بعد العملية كما كان قبلها، فإنّ اغتيال الإسرائيليين نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس صالح العاروري، مساء يوم الثلاثاء 2 كانون الثاني الجاري في الضاحية الجنوبية للعاصمة بيروت، أدخل تطوّرات كبيرة على الحرب الدائرة بين جيش الإحتلال والمقاومين في غزّة وجنوب لبنان، وسيجعل ما بعد إغتيال العاروري غير ما قبله.
أبرز هذه التطوّرات أنّ العملية مثّلت بوضوح إعلان الإسرائيليين حرباً ضدّ لبنان، وخرقاً للقرار الدولي 1701 الذي لطالما نادى الإسرائيليون والقوى الداعمة لهم في المنطقة والعالم إلى الإلتزام به، فإذا بها تخرقه، كاسرة بذلك كلّ قواعد الإشتباك التي سادت الجنوب اللبناني بين المقاومة وجيش الإحتلال الإسرائيلي منذ نحو ثلاثة أشهر، وفتحت الأبواب أمام إحتمالات شتى، أبرزها تمدّد العدوان الاسرائيلي نحو لبنان، بكل ما يحمله ذلك من تداعيات على مختلف الصّعد، ما دفع دولاً عدّة بعد اغتيال العاروري إلى دعوة رعاياها لمغادرة لبنان فوراً خوفاً من تطوّر الأوضاع نحو الأسوأ، وفي إيقاف دول وجهات عدّة وساطاتها من أجل وضع حدّ للعدوان.
في الحسابات الإسرائيلية، فإنّ اغتيال العاروري ورفاقه في العملية تعتبر "إنجازاً" من شأنه، برأيّهم، أن يُعوّضهم الإخفاقات المتتالية التي أصيبوا بها في عدوانهم على قطاع غزّة، وعدم قدرتهم على تحقيق أيّ انتصار على المقاومة في القطاع المحاصر يُعيد لهم "هيبتهم" التي خسروها، سوى قتل الأبرياء والمدنيين من نساء وأطفال وتدمير المنشآت المدنية والإستشفائية ودور العبادة، ما أوقع حكومة العدو تحت ضغوط كبيرة في داخل الكيان وخارجه لإنهاء عدوانها، فرأت أنّ اغتيال العاروري قد يعوّضها جزئياً إخفاقاتها ويخفّف عنها الضغوط، أقله في داخل الكيان.
لكنّ حسابات حقل دولة الكيان لم تعد، منذ سنوات، تنطبق على حسابات بيدر محور المقاومة، بعدما أثبتت تطوّرات العقدين ونصف المنصرمة أنّ عمليات إغتيال قادة هذا المحور وفصائله زادتهم قوّة، واستطاع طيلة هذه الفترة أن يوجّه ضربات موجعة للعدو لم يعرفها منذ نشأته قبل أكثر من 75 عاماً، وأكّدت أنّ زمن الهزائم قد ولّى، وأنّ زمن الإنتصارات على العدو قد أقبل، وهي إنتصارات كانت أولى بشائرها في العام 2000 عندما خرج جيش العدو مدحوراً من جنوب لبنان، ومن بعد ذلك كرّت سبحة الإنتصارات وصولاً إلى اليوم.
فالعدو يعرف، كما أثبتت التجارب والسّنوات، أنّ حركات المقاومة وفصائلها كافّة أكبر من اختزالها في اغتيال هذا القائد أو ذاك، لأن ما زرعته المقاومة في السّنوات والعقود الماضية أكبر من أن تستطيع إسرائيل أن تكسره وتجتثه، بعدما أثبتت التجارب أنّ كلّ جيل جديد من أجيال المقاومة يكون أكثر خبرة من سابقه، وأكثر تجذّراً وتشدّداً وتمسكاً بمواقفه، وأكثر تصلباً في موقفه من الكيان الغاصب وهزمه مهما طالت السنين وكبرت التضحيات.
فاغتيال العاروري لن يُغيّر الواقع في قطاع غزّة، ولن يمسّ القدرات العسكرية لقوى المقاومة هناك، لا بل إن ذلك قد يدفع هذه القوى إلى فتح جبهات حرب أخرى بمواجهة جيش الإحتلال، ما سيؤدّي ليس إلى استنزافه فقط، بل إلى تغيير الواقع على الأرض لمصلحة محور المقاومة.
وإذا كانت حكومة الكيان قد اعتبرت إغتيال العاروري إنجازاً يُسجّل لها، فإنّه فتح أبواب الجحيم عليها، وجعل محور المقاومة في حلّ من أيّ التزام بقواعد الإشتباك، وهو ما أكّده الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، في تعليق له على اغتيال العاروري في معقل الحزب بالضاحية الجنوبية، عندما أكّد أنّ "هذه الجريمة الخطيرة لن تبقى دون ردّ وعقاب، وبيننا وبينكم الميدان والأيّام والليالي"، وأنّ "قتالنا سيكون بلا سقوف وحدود وقواعد وضوابط"، و"من يُفكّر في الحرب معنا سيندم، فالحرب معنا مكلفة جدّاً جدّاً".