إحراق شجرة ميلاد كنيسة الزّاهرية: أبعادٌ أخرى
عبد الكافي الصمدإستفاقت طرابلس صباح يوم الأحد، 24 كانون الأوّل الجاري وعشية الإحتفال بعيد الميلاد المجيد، بإقدام مجهولين على إحراق شجرة الميلاد التي تمّ وضعها في باحة كنيسة القديس جاورجيوس في منطقة الزاهرية، ما أحدث صدمة في المدينة أعقبها موجة إستنكار واسعة، إنْ دلت على شيء فإنّما تدلّ على شجب طرابلس بمختلف أطيافها هكذا عمل مُدان.
لكن ليست هذه المرّة الأولى التي يتم التعرّض فيها لأشجار ميلاد ترتفع في طرابلس، بإحراقها أو تشويهها، إذ تكرّر الأمر خلال السنوات الأخيرة، لكنّه لم يأخذ الضجّة التي طبعت الحرق هذه السّنة، والتي برزت من خلال ردود الفعل الكثيرة الشّاجبة وزيارات التضامن التي قامت بها شخصيات إلى جانب وفود زارت الكنيسة تعبّر عن رفضها وإدانتها ما حصل من إعتداء.
ومع أنّ البعض نظر إلى هذا الشّجب وزيارات التضامن إلى الكنيسة بإيجابية، لكن بعضاً آخر إعتبر أنّ الأمر كان فيه مبالغة وشعبوية، ومزايدة سياسية، ومحاولة زائدة عن حدّها من أجل نفي تهم الإرهاب والتطرّف التي تطبع طرابلس عند كلّ حادثة من هذا النوع.
فكنائس طرابلس التي لم يتعرّض لها أحد في أحلك الظروف، حتى في أيّام الحرب الأهلية 1975 ـ 1990، وبقيت آمنة تقام فيها الصلوات والقداديس، لا يبدو مقنعاً توجيه التهم للمدينة ككل بالتعرّض لأشجار الميلاد الموجودة في باحاتها أو تلك التي تزيّن بها شوارع وساحات طرابلس كلّ عام.
وما كان لافتاً أنّ طرابلس شهدت في الأيّام الأخيرة إستباحة امنية واسعة، وإشكالات يومية في مختلف المناطق، واعتداءات وإطلاق رصاص وقنابل على محال تجارية أو مولّدات كهرباء خاصّة، أو سيّارات ومكاتب، من غير أن تلقى أيّ شجب أو إدانة مثل الذي حصل مع الإعتداء على شجرة ميلاد كنيسة الزاهرية.
هذا التسيّب الأمني في مدينة رئيس الحكومة نجيب ميقاتي ووزير الداخلية بسّام مولوي لم يدفع الإثنين، حتى الآن، في قيامهما بأيّ خطوة للحدّ منه، ولإعادة الأمن والإستقرار إليها، برغم نداءات عديدة وُجهت إليهما، وانتقادات واسعة على تقصيرهما وإدراتهما الظهر لمدينتهما على هذا النحو.
وإذا كان أحد لم يتم توقيفه في حوادث السّنوات الماضية التي جرى فيها الإعتداء على أشجار الميلاد في طرابلس وقيّدت غالباً ضد مجهولين، فإنّه كان لافتاً أنّ جميع القوى السياسية، تقريباً، التي استنكرت الحادثة، تحمي خارجين على القانون، وترعاهم، كما تمارس ضغوطاً واسعة لكي تمنع توقيفهم ومحاكمتهم، ما أعطى إنطباعاً أنّ كلّ هذه "العراضات" الشّاجبة كانت إستعراضية.
في موازاة ذلك، بدا مستغرباً إدانة إحراق شجرة الميلاد في طرابلس قبل انتهاء التحقيقات الجارية في القضية، والتأكّد من أنّها بفعل فاعل أو لا، مثل أن يكون الإحراق نتيجة إحتكاك كهربائي، خصوصاً أنّ الإعتداء تزامن مع تحذير قوى الأمن، في نشرة لها، من "مخاطر الحرائق المحتملة جرّاء ترك زينة شجرة عيد الميلاد مضاءة خلال الليل"، وطلبها "التأكّد من سلامة أسلاك الكهرباء لتجنب حدوث إحتكاك كهربائي"، وكذلك تزامن إحراق شجرة ميلاد كنيسة الزاهرية مع محاولة إحراق شجرة ميلاد مستديرة مستشفى النيني ومحاولة إحراق شجرة ميلاد أخرى في الميناء، من غير أن تكشف القوى الأمنية ملابسات وأسباب ما حصل، هل هو محاولة إعتداء أم نتيجة إحتكاك كهربائي؟
يضاف إلى ذلك التجاهل لأهداف أخرى تقف خلف محاولات إحراق أشجار الميلاد في طرابلس، حالياً وسابقاً، وتشويه صورة المدينة، التي تبين من أحداث سنوات سابقة أنّها تهدف إلى ضرب أسواق طرابلس وشلّ الحركة التجارية فيها، لمصلحة أسواق أخرى ناشئة في مناطق شمالية مختلفة، وحتى خارج الشّمال، كون أسواق طرابلس تجذب أكثر من غيرها متسوقين من مختلف المناطق نظراً لرخص الأسعار فيها، ووجود مروحة واسعة من السّلع والخيارات أمام المتسوقين.
كما يضاف إلى ذلك الصراع الدائم بين قوى سياسية وأجهزة أمنية الذي حوّل طرابلس إلى صندوق بريد يتبادلون فيها وعبرها مختلف الرسائل السّياسية والأمنية المتفجرة، سواء في أعياد مسيحية أم إسلامية على حدّ سواء.