هل تسري جلسة التمديد على جلسة إنتخاب الرئيس؟
عبد الكافي الصمدما إنْ انفضت جلسة مجلس النواب التشريعية التي عقدت في 15 كانون الأوّل الجاري، التي جري فيها إقرار قوانين تشريعية عديدة كان أبرزها تمديد ولاية قائد الجيش العماد جوزيف عون وبقية قادة الأجهزة الأمنية لمدة سنة، حتى شرع كثيرون يقيسون الخطوة سياسياً على أنّها "بروفة" لجلسة إنتخاب رئيس جديد للجمهورية، إنطلاقاً من أنّه إذا تمّ تأمين النصاب لجلسة التمديد، فقد بات بالإمكان تأمين النصاب لجلسة إنتخاب الرئيس وإنهاء الفراغ الرئاسي.
غير أنّ ثمة معطيات لا يمكن تجاهلها في هذا السّياق تشير إلى أنّ إسقاط جلسة التمديد على جلسة إنتخاب رئيس للجمهورية ليس ممكناً، لأسباب عدّة أبرزها:
أولاً: أقرت جلسة مجلس النواب التشريعية، بعد مخاض عسير ومشاورات شاقة وطويلة وضغوط داخلية وخارجية، تمديد ولاية قائد الجيش وبقية قادة الأجهزة الأمنية لمدة سنة فقط، وهو تمديد جاء على خلفية الإنقسام السياسي في البلاد حول مقاربة ملف الفراغ الذي اقترب من رأس المؤسّسة العسكرية، كون قائد الجيش تنتهي ولايته في 10 كانون الثاني المقبل، وخوفاً على الوضع الأمني الهشّ الذي لا يمكن التفريط به أو الإستهانة به تحت أيّ ظرف أو حجّة؛ بينما إنتخاب رئيس للجمهورية سيكون لمدة 6 سنوات، وبالتالي فإنّ الحسابات الزمنية بين الإستحقاقين تختلف.
ثانياً: منذ نهاية ولاية رئيس الجمهورية الأسبق العماد إميل لحود في العام 2007، تعايش اللبنانيون مع الفراغ الرئاسي كأنّه وضع طبيعي وليس العكس.
فقد بقي منصب الرئاسة شاغراً إلى حين إنتخاب العماد ميشال سليمان رئيساً في العام 2008.
وفي العام 2014 تعذّر التوافق على انتخاب رئيس جديد يخلف سليمان في قصر بعبدا، فبقي الفراغ مقيماً في القصر الرئاسي حتى العام 2016 حيث تمّ إنتخاب العماد ميشال عون رئيساً قبل أن يغادره العام الماضي من غير التمكّن من انتخاب رئيس جديد.
فبعدما سلّم لحود الرئاسة الأولى إلى الفراغ، تسلّم سليمان وعون الرئاسة من الفراغ وسلماها أيضاً إلى الفراغ.
ثالثاً: تأمين النصاب لجلسة التمديد لم يكن ممكناً لو لم يحضر نواب يعتبرون أنّ فرنجية هو مرشحهم الرئاسي، وليس أيّ مرشح آخر، وهم لن يؤمّنوا النصاب في أيّ جلسة إذا لم يضمنوا وصول الزعيم الزغرتاوي إلى قصر بعبدا، وبالتالي فإنّ حسابات جلسة التمديد لعون وبقية قادة الأجهزة الأمنية تختلف جذرياً في السياسة عن جلسة إنتخاب الرئيس، ولو أنّ الأمر كان غير ذلك لكان جرى إنتخاب الرئيس منذ مدة.
يُضاف إلى ذلك أنّ الإستحقاق الرئاسي، كما يعرف القاصي والداني، مرتبط بتسوية إقليمية ودولية كبرى، تترجم محلياً، لم تنضج بعد.
رابعاً: جاءت جلسة التمديد لقائد الجيش وبقية قادة الأجهزة الأمنية في إطار مواجهة التطوّرات الأمنية التي أفرزتها أحداث قطاع غزّة بعد عملية "طوفان الأقصى" التي نفذتها المقاومة الفلسطينية في 7 تشرين الأول الماضي رفضاً للإعتداءات الإسرائيلية المتكرّرة في المسجد الأقصى والأراضي المحتلة، وبعد توسّع الإشتبكات بين المقاومة وجيش الإسرائيلي إلى جنوب لبنان، عليه وخوفاً من تمدّد رقعة الحرب إلى لبنان، كان التمديد لقائد الجيش وبقية القادة الأمنيين أكثر من ضرورة في هذا الظرف الأمني المضطرب، بعدما حالت أسباب عدّة والخلافات والتجاذبات السياسية في تعيين قائد جديد للجيش.
إنطلاقاً من هذه المعطيات، فإنّ إنتخاب رئيس جديد للجمهورية يُنتظر أن يأتي في ضوء التداعيات التي ستفرزها الحرب الدائرة في قطاع غزّة وجنوب لبنان مع جيش الإحتلال، لأنّ ما بعد "طوفان الأقصى" لن يكون كما قبله في الأمن والسياسة وحتى الإقتصاد وغير ذلك، سواء في لبنان أو المنطقة على حدّ سواء.