باسيل في طرابلس: ما له وما عليه
11 كانون الأول 2023

باسيل في طرابلس: ما له وما عليه

عبد الكافي الصمد

لا يمكن تجاهل زيارة رئيس التيّار الوطني الحرّ جبران باسيل إلى طرابلس، الأحد 10 كانون الأوّل (ديسمبر) الجاري، ولا النّظر إليها باعتبارها زيارة عادية والمرور عليها مرور الكرام، ذلك أنّ ما رافق الزيارة وما تضمّنته من محطّات ومواقف، وما أعقبها من ردود فعل وتداعيات يُجدر التوقف عندها بإمعان.

الزيارة التي كانت سياسية بامتياز، وإنْ أتت تحت عنوان إنمائي هو تدشين باسيل شارع "مونو" في مدينة الميناء بعد تأهيله، فتحت الأبواب أمام نقاش واسع في المدينة وموقفها من باسيل، سياسياً وشعبياً، بين من أيّده في زيارته وبين من عارضه، وبين من تجاهل الزيارة وتعامل معها على أنّها حدثٌ عابر.

المؤيّدون لزيارة باسيل توقفوا عند بعض النقاط الهامّة فيها، أبرزها:
أولاً: إستبق باسيل إفتتاح شارع "مونو"، الهدف المعلن من زيارته، بجولة على شخصيات سياسية لها حضورها في المدينة، ما أعطاه غطاءً سياسياً لزيارته، سواء كانت هذه الشّخصيات حليفة له سياسياً أم لا.
فزيارة باسيل النائبين فيصل كرامي وطه ناجي تأتي في إطار زيارة حليفين في الخط السياسي الواحد. أمّا زيارة النائب والوزير السّابق محمد الصفدي الذي استبقاه على الغداء فتؤكّد على متانة العلاقة القديمة بين الطرفين، حيث كان الصفدي أحد الشّخصيات التي دعمها باسيل لتكليفها تأليف الحكومة في عهد رئيس الجمهورية السّابق ميشال عون، لكنّ ظروفاً سياسية حالت حينها دون ذلك.
بينما جاءت زيارة باسيل للنائبين السّابقين أسعد هرموش مع نجله براء ومصباح الأحدب لتفتح آفاقاً حول إمكانية قيام تحالف سياسي أو انتخابي معهما في مرحلة مقبلة.

ثانياً: سجّل باسيل بزيارته طرابلس هدفاً سياسياً في مرمى رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي ووزير الداخلية والبلديات بسّام مولوي، وأغلب نواب وقيادات المدينة.
إذ في حين أتى باسيل ليدشّن مشروعاً في طرابلس، فإنّ ميقاتي منذ ترؤسه الحكومة الحالية لم يقم بتدشين أيّ مشروع في مدينته، ومولوي لم يستطع فرض الأمن والإستقرار في مدينة يستبيحها كلّ من هبّ ودبّ، كما لم يستطع إلزام أصحاب مولدات الكهرباء الإلتزام بتسعيرة وزارة الطاقة.
وبقية النواب وقيادات المدينة عجزت عن القيام بإنماء طرابلس، بالحدّ الأدنى، كما فعل باسيل في مدينته البترون.
ثالثاً: يُدرك باسيل، سياسياً وإنتخابياً، أنّه لا يجب أن يغيب تيّاره عن التمثيل نيابياً في طرابلس في المرحلة المقبلة. ففي حين أنّ القوّات اللبنانية التي ليس لها في المدينة إلّا حليف واحد هو النائب أشرف ريفي، ونالت مقعداً نيابياً في الإنتخابات الأخيرة يعود للنائب إيلي خوي برغم إدانة رئيس القوات سمير جعجع باغتيال الرئيس رشيد كرامي، فإنّ للتيّار البرتقالي مروحة حلفاء أكبر في المدينة أثبتتها زيارته الأخيرة، كما ليس للتيّار تاريخ دموي مع طرابلس على غرار القوات.
لكنّ المعارضون زيارة باسيل يلحظون نقاطاً أخرى، أهمها:
أولاً: تجاهل باسيل زيارة ميقاتي ما جعل إنتقادات توجّه إليه بأنّه لم يدخل المدينة من أبوابها.
كما تجاهل أيضاً زيارة أي شخصية محسوبة على تيّار المستقبل، برغم إدراك باسيل أن ميقاتي والرئيس سعد الحريري يحظيان، مع عزوفهما عن خوض إستحقاق الإنتخابات النيابية الأخير، بحضور سياسي وشعبي يُعدّ الأكبر في المدينة.

ثانياً: إدّعاء باسيل أنّ وزاة الطاقة أنجزت في عهده 7 مشاريع لطرابلس بقيمة مليار ونصف مليار دولار أمرٌ لا يمكن لأحد أن يركن إليه أو يقبضه على محمل الجدّ.
فإذا دقّق باسيل في سجلات مشاريعه أيّام توليه وزارة الطاقة، أو خلال تولي مقربين منه الوزارة لوجد إجحافاً كبيراً لحق بطرابلس ومناطق شمالية أخرى، وظلماً وغبناً لا يمكن أن يغطيهما رعايته ترميم شارع في الميناء.

ثالثاً: منذ دخوله معترك العمل السّياسي بعد عودة الجنرال عون من المنفى عام 2005، لم يقم باسيل بأيّ مبادرة إيجابية نحو طرابلس، لا بل إتخذ وتيّاره موقفاً سياسياً سلبياً منها، أحياناً بلا أيّ مبرر، من غير أن يبادر لاحقاً إلى ترميم هذه العلاقة، ما راكم سلبيات كثيرة بينه وبين طرابلس، وارتفعت جدران الجفاء بينهما إلى درجة اعتبرت فيها طرابلس، في بعض المحطات، أنّ باسيل هو خصمها السّياسي الأوّل، وهو وضع يحتاج من باسيل وتيّاره إلى جهد سياسي كبير لمعالجته إذا كانت نيّة باسيل فتح صفحة جديدة مع طرابلس.

Add to Home screen
This app can be installed in your home screen