كوتا بلدية لانتخابات لن تحصل
عبد الكافي الصمديُردّد أغلب رؤساء البلديات الحاليين بأنّهم لن يترشحوا للإنتخابات البلدية المقبلة، المفترض أن تجري مبدئياً في شهر أيّار من العام المقبل، في مواقف لا تُعبّر عن عفّة النفس لديهم، أو أنّ العمل في الشّأن العام ـ والعمل البلدي أحده ـ لم يعد يعني لهم شيئاً أو يجذبهم لخوضه، إنّما لأسباب مختلفة ومتشعبة لعل من أبرزها أن صناديق البلديات باتت خاوية من الأموال، وبأنّ العمل البلدي تراجع كثيراً عن ما كان عليه في السّابق، وبالتالي فإنّ الإنتخابات البلديات لم تعدّ تُشكّل إغراءً لأكثر الموجودين اليوم على رأس المجالس البلدية أو أنّهم أعضاء فيها.
لا يقتصر تشاؤم رؤساء البلديات وقرفهم من الإستمرار في العمل البلدي، وبعضهم أفنى فيه نصف عمره تقريباً وربما أكثر، بل من خشية أن تؤجّل الإنتخابات البلدية من جديد مرّة أخرى من العام المقبل إلى وقت لاحق، ما جعل البعض يشير تشاؤماً إلى أنّه مثلما تأجّل إجراء الانتخابات البلدية 35 عاماً، فإنّها ستؤجّل هذه المرّة سنوات مثلها، في إشارة منهم إلى آخر إنتخابات بلدية جرت قبل الحرب الأهلية عام 1963، واستمر تأجيلها في ما بعد والتمديد للمجالس البلدية حتى إجراء أوّل إنتخابات بلدية بعد الحرب في العام 1998.
والمفارقة أنّ هذا الكلام يأتي في وقت تبدو فيه السّلطة وقسم كبير من النواب والأحزاب الممثلة في الحكومة ومجلس النواب في عالم آخر، إذ بدلاً من أن يسعون إلى معالجة المشاكل التي تعاني منها البلديات، ومساعدتها من أجل استنهاض نفسها والقرى والبلدات والمدن التي تمثلها، ذهبوا في اتجاه معاكس بعيد تماماً عن هموم المواطنين أو البلديات معاً.
فقد وقّع 10 نوّاب على اقتراح قانون يلحظ تخصيص "كوتا" نسائية في الإنتخابات البلدية المقبلة، بنسبة 30% من المقاعد في مجالس البلديات التي تضمّ 9 و12 عضواً، وكوتا بنسبة 50% في البلديات التي تضمّ 15، و18، و21، و24 عضواً، أمّا النوّاب الموقعين فينتمون إلى أغلب التيّارات والأحزاب في المجلس النيابي، وهم: سيمون أبي رميا، سامي الجميل، هادي أبو الحسن، الياس حنكش، بلال عبد الله، عناية عز الدين، ندى البستاني، راجي سعد، نجاة عون وحليمة قعقور.
هذا الإقتراح طرح جملة أسئلة، من أبرزها:
أولاً: كيف يمكن للموقعين على الإقتراح ومن خلفهم من أحزاب وتيّارات سياسية على جعل هذا الإقتراح قانوناً، وهم عجزوا عن إجراء الإنتخابات البلدية مرتين، في العامين 2022 و2023، وهو عجز ينتظر أن يمتد للعام المقبل ولأعوام مقبلة أخرى.
ثانياً: تعاني البلديات من مشاكل عديدة تستدعي من النوّاب الإهتمام بها ومعالجتها على نحو عاجل، وليس تجاهلها والقفز فوقها وكأنّ الأمور بألف خير في البلديات التي تعاني بلدياتها من عجز مالي جعلها عاجزة ليس عن تنفيذ مشاريع وتقديم خدمات للمواطنين، إنّما عاجزة عن دفع رواتب الموظفين والعمال وعناصر الشّرطة لديها.
ثالثاً: أحد الأسباب غير المعلنة لتأجيل الإنتخابات البلدية مرتين، ويرجّح تأجيلها مرّات أخرى مجدّداً، هو عدم إنجاز قانون جديد للإنتخابات البلدية المقبلة، في ضوء إقتراحات قوانين لم تناقش جدّياً بعد بسبب الشّلل والإنقسام السّياسي الذي تعاني منه البلاد بشكل واسع، وبالتالي فإنّ عدم إنجاز القانون المرتقب سيكون دافعاً لتأجيل إجراء الإستحقاق البلدي مجدّداً.
رابعاً: من بين أسئلة كثيرة حول الإقتراح المذكور، يبرز سؤال حول كيف سيُطبق قانون الكوتا النسائية في بلدات وقرى يُرجّح بنسبة كبيرة أن لا يترشّح فيها عددٌ كافٍ من النساء، حسب النسبة المئوية المقترحة، أو قد لن تترشح أيّ امرأة، فماذا ستفعل وزارة الداخلية والبلديات حينها، وهل ستفرض ترشيح نسوة بالقوة؟
خامساً: يعرف المعنيون بالإنتخابات البلدية بأنّها لن تجري قبل معالجة ملف بلدية بيروت، وكيفية إيجاد مخرج لمبدأ المناصفة بين المسلمين والمسيحيين الذي جرت على أساسه إنتخابات بلدية العاصمة في الأعوام 1998 و2004 و2010 و2016، وحافظت فيه بيروت على هذا المبدأ برعاية الرئيس الراحل رفيق الحريري وبعده نجله الرئيس سعد الحريري، وبأنّ هذا المبدأ مُهدّد اليوم بالكسر نتيجة عدم وجود أيّ جهة سياسية تستطيع الحفاظ عليه وضمانه على خلفية طغيان عدد النّاخبين المسلمين مقابل النّاخبين المسيحيين.
وبالتالي فإنّ إقتراح قانون الكوتا النسائية يبدو وكأنّه هروب إلى الأمام، وملهاة سياسية لملء الوقت الضائع.