هل ستؤسس حرب غزة لإنطلاقة نظام عالمي جديد؟
مرسال الترسبعد خمسين يوماً على إنطلاق عملية "طوفان الأقصى" التي يُجمع المراقبون على أنها قلبت المشهد في منطقة الشرق الأوسط رأساً على عقب، أطل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي يخوض حرباً بمواجهة حلف شمال الأطلسي على الأرض الأوكرانية منذ نحو سنتين ليعلن: "أن العالم بحاجة لإنشاء نظام عالمي أكثر عدالة".
فهل ستؤسس الحرب على غزة في تحقيق هذا التوجه العالمي، إنطلاقاً من المعطيات التالية؟
♦بعد تفكك الاتحاد السوفياتي في نهاية العام 1991 تربعت الولايات المتحدة الأميركية على زعامة العالم بدون منازع ولكنها اعتمدت اسلوب الغزوات وضرب وتفكيك الأنظمة المشكوك بأمر ولائها لها، تحت عناوين حماية الحريات والديمقراطية، بدون التوقف عند حجم الخسائر البشرية.
فغزت افغانستان والعراق وقلبت الأنظمة في تونس ومصر وليبيا، وتزعمت شن حرب واسعة النطاق على سوريا، متكئة في ذلك أن لها في منطقة الشرق الأوسط قاعدة عسكرية ثابتة تدعى الكيان اليهودي في اسرائيل يؤمن لها الدعم اللوجستي الدائم، ويكّون رأس حربة في أي تحرك عسكري إنطلاقاً من كونه يحوز على قوة نووية غير مصرّح عنها دولياً، ويملك أعتى قوة جوية في المنطقة متقدماً بأشواط على الدول المحيطة أو القريبة أو التي تشكل خطراً محتملاً!
♦ومع إطمئنانها الى الوضع المُسيطر عليه في الشرق الأوسط والخليج اللذان يعتبران خزانات احتياطية للعديد من قوى الطاقة العالمية، إتجهت واشنطن للحد من إندفاعة الصين الاقتصادية والمالية عبر إثارة الثغرات الأمنية في بحر الصين الجنوبي وتايوان والكوريتين.
وفي الوقت عينه إثارة النعرات الديموغرافية في محيط روسيا الاتحادية التي أخذت العديد من مقومات قوة وحضور الاتحاد السوفياتي، فابتدعت لها المشاكل في جورجيا وصربيا وبعض دول القوقاز وصولاً الى بيت القصيد أوكرانيا التي تُعتبر الخاصرة المؤلمة لموسكو التي لم تسكت على الضيم فنظّمت حملة عسكرية مستمرة منذ نحو سنتين احتلت عبرها ما يقارب التسعين ألف كيلومتر من الأراضي الاوكرانية المطلة على البحار أي ما يوازي 15% من مساحة تلك الدولة!
في هذا التوقيت الدقيق عالمياً، وبينما الأمور تتجه الى مزيد من التطبيع بين اسرائيل والدول العربية والاسلامية التي كانت تعلن العداء لهذا الكيان.
وفي فجر يوم السبت في السابع من تشرين الأول 2023 اقتحمت قوات من تنظيم "حماس" غلاف قطاع غزة الذي بدا وكأنه قطع من لعبة "اللوغو" التي تنهار عند اول نسمة هواء.
فقلبت المعادلة التي كانت قائمة وأعادت الأمور خمساً وسبعين سنة الى الوراء ومعها أعادت القضية الفلسطينية الى واجهة الاهتمام الدولية بعدما كادت المعاهدات والسياسات الدولية تدخلها في غياهب النسيان!
فهل ستؤسس عملية "طوفان الأقصى" لذلك العالم الجديد الذي قد يمنح الشعوب حقوقها، بعيداً عن اغتصاب الاراضي كما فعلت بريطانيا العظمى في العديد من دول العالم، أو بدون إبادة الشعوب كما فعل الأميركيون بالهنود الحمر ...والأمثلة كثيرة ومتنوعة.
وتبقى العبرة في من يستطيع فرض نفسه في تركيبة هذه الكرة الأرضية وشعوبها المكونة من نحو ثمانية مليارات من الناس يعيش عشرات الملايين منهم تحت خط الفقر ، أو في حروب وتهجير ونزوح لا ينتهي؟