لودريان في بيروت للمرّة الرّابعة: وسيطٌ غير محايد
عبد الكافي الصمديصل الأربعاء، 29 تشرين الثاني (نوفمبر) الجاري، الموفد الرئاسي الفرنسي الخاص إلى لبنان جان إيف لودريان، في جولة ستستمر ثلاثة أيّام، لا يُتوقع أن يكون مصيرها أفضل من مصير الجولات الثلاث السّابقة التي قام بها إلى بيروت، التي غادر بعدها خالي الوفاض من غير أن يحرز أيّ إنجاز أو أيّ تقدم في ملف إستحقاق رئاسة الجمهورية الغارق في الجمود منذ فراغ منصب الرئاسة الأولى من شاغله قبل سنة وشهر من اليوم.
آخر زيارة قام بها لودريان إلى بيروت كانت في حزيران الماضي، وعندما غادر مطار العاصمة في 14 من الشّهر نفسه، قال إنّه "سيعود قريباً إلى لبنان حاملاً معه أفكاراً"، كما وعد، من أجل حلحلة الملف الرئاسي العالق بين جملة تعقيدات داخلية وإقليمية ودولية.
كانت فترة الخمسة أشهر ونصف الماضية كافية لأن ينسى اللبنانيون الموفد الفرنسي والمهمّة التي جاء من أجلها، نظراً لما طرأ خلالها من تطوّرات ومستجدات، خصوصاً بما يتعلق بالعدوان الذي شنّه جيش الإحتلال الإسرائيلي على قطاع غزّة وجنوب لبنان في أعقاب عملية "طوفان الأقصى" التي نفذتها المقاومة الفلسطينية في 7 تشرين الأول (إكتوبر) الماضي، التي جعلت ما بعدها من حسابات سياسية ومهمات موفدين غير ما قبلها.
خلال تلك الفترة إرتكب الفرنسيون أخطاء سياسية قاتلة أفقدتهم حيادية مزعومة لديهم كانوا يدّعونها، وجعلتهم يخسرون دور الوسيط بين فرقاء لبنانيين وفي المنطقة من أجل تقريب وجهات النّظر، والتوصّل إلى حلول ومخارج بما يتعلق بالأزمات اللبنانية وعلى رأسها الفراغ في سدّة الرئاسة الأولى، وما كان يُحكى عن مبادرات فرنسية تبين في نهاية المطاف أنّها لم تكن سوى لتمرير الوقت الضّائع.
فبعد نحو أسبوعين وبضعة أيّام على بدء عملية "طوفان الأقصى" والعدوان الإسرائيلي على قطاع غزّة وجنوب لبنان، وصل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى دولة الكيان الصهيوني، في 24 تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، في زيارة أعلن أنّها تأتي "للتضامن" مع إسرائيل في عدوانها، زاعماً أن ما تقوم به هو "حقّها في الدفاع عن النفس"، وساعياً ـ حسب قوله ـ وراء إحياء عملية السلام في المنطقة، ومنع مزيد من التصعيد فيها، قبل أن يتبعه مجيء وزراء في حكومته إلى تل أبيب معبّرين عن دعم فرنسا لهم.
ما سبق يبدو كافياً لأن يجد لودريان أغلب الأبواب مقفلة أمامه في بيروت.
إذ ليس سوى السّاذج من يتوقع أن يستقبل أطراف محور المقاومة في لبنان بالترحاب موفداً فرنسياً كانت بلاده واقفة بشكل فاضح إلى جانب العدوان الإسرائيلي على بلادهم، وأن يقبلوا دوره كوسيط لا يملك الحدّ الأدنى من الحياد، فضلاً عن أنّ فرنسا أدّت خلال هذه الفترة أدواراً عدائية ضد أغلب قوى المقاومة، سواء في لبنان أو خارجه، في سوريا وفلسطين والعراق وإيران واليمن.
يُضاف إلى ذلك أنّ فرنسا ضربت تاريخها في حرية التعبير والديمقراطية والتضامن مع القضايا الإنسانية الذي تفتخر به أمام العالم وتعتبره إرثاً وطنياً وعالمياً منذ الثورة الفرنسية عام 1789، عندما حظرت وضيّقت الخناق على المؤيدين للقضية الفلسطينية والرافضين والمندّدين بالعدوان الإسرائيلي على قطاع غزّة والمجازر الوحشية التي إرتكبتها فيه، فمنعت وحظرت الكثير من التظاهرات والنشاطات التضامنية مع القضية الفلسطينية، في حين لم تكلف نفسها بمجرد إدانة أو استنكار للإحتلال وجيشه على ما يقوم به ويقترفه من قتل وتدمير بحق الأبرياء، خصوصا الأطفال منهم، الذين كان قرابة نصف الضحايا والشّهداء منهم، فضلاً عن إستهداف الإعلاميين والمرافق العامة من مستشفيات ومدارس، إلى جانب إستهداف مراكز دينية من مساجد وكنائس.