أزمة بلدية طرابلس مجدّداً: لمن الكلمة الفصل القانون أم الأمر الواقع؟
عبد الكافي الصمدعادت أزمة النزاع حول رئاسة بلدية طرابلس إلى البروز مجدّداً، بعدما عقد الرئيس السّابق للبلدية رياض يمق مؤتمراً صحافياً، الأسبوع الماضي، في مقرّ الرابطة الثقافية في المدينة، طالب فيه المعنيين تنفيذ القرار النهائي الذي أصدره مجلس شورى الدولة بشكل نهائي، في 10 تشرين الأول الماضي، ويحمل الرقم 9 / 23، يقضي بإبطال مفاعيل جلسة البلدية سحب الثقة منه في 1 آب عام 2022، وانتخاب الرئيس الحالي أحمد قمر الدين رئيساً للبلدية بدلاً منه في جلسة عقدها المجلس البلدي في 19 تشرين الأوّل من العام نفسه.
ما سبق يعني أنّ أزمة البلدية عادت إلى المربع الأول الذي نشأ بعد إنتخابه في العام 2016، وما تبعه من تداعيات وتطوّرات، وعاد معها التجاذب حول من يمسك بقرار البلدية من القوى السياسية التي تتنافس بشكل ليس خافياً في هذا المضمار: من الرئيس نجيب ميقاتي إلى النائب فيصل كرامي وتيّار المستقبل، أم وزير الداخلية بسّام مولوي باعتباره وزير الوصاية على البلديات، أم محافظ الشّمال رمزي نهرا الذي يُوزّع ولاءه بين طرفين: قانونياً إلى وزير الداخلية، وسياسياً إلى رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل، من غير إغفال يمق وقمر الدين ـ بالرغم من ملاحظات كثيرة عليهما في أدائهما خلال تولي المنصب ـ وبقية أعضاء المجلس البلدي، وإنْ كانوا يبدون أشبه ببيادق على رقعة شطرنج البلدية.
في مؤتمره الصحافي أوضح يمق أنّ قرار مجلس شورى الدولة "أنهى مسار الفوضى واغتصاب السّلطة في البلدية، الذي ما يزال مستمراً منذ ذلك الحين، وفق قرار إتخذه وزير الداخلية والبلديات بسام مولوي ونفّذه محافظ الشمال رمزي نهرا، جاء مخالفاً لأحكام القانون، ما يجعله باطلاً".
يمق الذي استقوى بقرار مجلس شورى الدولة، الذي رأى أنه انصفه، دعا قمر الدين إلى "الخروج من البلدية والتوقف عن إغتصاب السلطة، إنفاذاً لقرار مجلس شورى الدولة"، وطالب "المعنيين ومن يتولى شاناً عامّاً الرضوخ لمفاعيل القرارات القانونية المتابعة وأن يكونوا نموذجاً لتطبيقها، لا أن يكونوا نموذجاً للفوضى وانتهاك القوانين".
وأشار يمق إلى أنّه "برغم أنّ قانون التمديد للبلديات الذي حمل الرقم 285 / 22 عاماً إضافياً، فهمه جميع القانونيين على أنّه يعني التمديد لرئيس البلدية ونائبه، إلا أنّنا فوجئنا بقرار أصدره وزير الداخلية قام المحافظ بتنفيذه، أدّى إلى عقد جلسة لطرح الثقة برئيس البلدية بعد التذرّع بعريضة من أعضاء في المجلس البلدي بهذا الخصوص، وهو قرار أبطله مجلس شورى الدولة، كما أبطل أيضاً جلسة إنتخاب قمر الدين في وقت لاحق رئيساً للبلدية".
وطالب يمق "تطبيق القانون وإعادة صفتي رئيساً لبلدية طرابلس مقابل نزع هذه الصفة عن أحمد قمر الدين، ونزع أهليته في ممارسة صلاحيات رئيس البلدية"، مشيراً إلى أنّ "فترة إغتصاب السلطة في البلدية شكّلت فضيحة قانونية كبرى وأنّ القرارات الصادرة عنها غير قانونية وهي بحكم العدم ومعرضة للإبطال"، وداعياً وزير الداخلية إلى "إنهاء الوضع الشاذ في بلدية طرابلس، بما يؤدي إلى إعادة الحق لأصحابه، وتطبيق القانون".
هذه التطوّرات وما يمكن أن يعقبها من تداعيات، من شأنها أن ترخي بظلالها على المجلس البلدي في العاصمة الثانية خلال المرحلة المقبلة، وبأن تزيد من حالات الشلل والإنقسام التي يعانيها، وتجاذب القوى السياسية للمجلس البلدي، لأسباب تختلط فيها الدوافع السياسية بالمصالح الشخصية، ما سيؤثّر سلباً على أداء المجلس البلدي ككل، وتردّي أوضاع الخدمات التي تقدّمها البلدية للمدينة والمواطنين، من غير أن يتضح لمن ستكون الكلمة في نهاية المطاف في أزمة البلدية: القانون وأحكامه، أم الأمر الواقع ومصالح الطبقة السّياسية على اختلافها؟