هل انفرجت أزمة الفراغ المرتقب في قيادة الجيش اللبناني؟
عبد الكافي الصمدأكثر من تساؤل أثير خلال الأيّام القليلة الماضية حول مآل أزمة الفراغ المنتظر في قيادة الجيش اللبناني، على خلفية عدم التوافق بين القوى السياسية على تمديد ولاية القائد الحالي للجيش العماد جوزيف عون، أو تعيين بديل له، مع إقتراب إنتهاء فترة ولايته في 10 كانون الثاني المقبل، وسط مخاوف من أن يؤدّي وصول الفراغ إلى رأس المؤسّسة العسكرية إلى تهديد الأمن الهشّ الذي تعيش البلاد في ظلّه.
هذه التساؤلات حضرت بقوة في مختلف الأوساط السياسية، خصوصاً بعد تعذّر عقد جلسة لحكومة تصريف الأعمال يوم الإثنين الماضي (12 تشرين الثاني الجاري) نتيجة عدم إكتمال النصاب بسبب غياب 10 وزراء عن الجلسة، في خطوة فُسّرت بأنّها قطعٌ للطريق على اندلاع أزمة سياسية ودستورية في حال اللجوء إلى ملء الفراغ في قيادة الجيش بعيداً عن توافق ما يأتي نتيجة تسوية سياسية جرى العمل عليها بقوة في الآونة الأخيرة بين القوى السّياسية المعنية.
إشارات عدّة برزت في هذا السياق أعطت إنطباعاً أنّ صيغة تسوية ما تُطبخ على نار هادئة بعيداً عن الأضواء، تشمل تعيين قائد جديد للجيش ورئيس جديد للأركان وتعيين مديرين للإدارة العامّة والمفتشية العامّة، خلال جلسة تعقدها الحكومة يوم الثلاثاء المقبل في 21 تشرين الثاني المقبل، أيّ قبل يوم واحد من عيد الإستقلال، بشكل يعتبر معه هذا التعيين "هدية" للجيش واللبنانيين بالمناسبة، وبثّ الطمأنينة في نفوسهم بعد مخاوف من تداعيات فراغ في مؤسّسة تعتبر حائط الدفاع الأخير عن البلاد.
أولى هذه الإشارات تمثلت في ما أعلنه وزير التربية عبّاس الحلبي بعد انتهاء جلسة إستثنائية للحكومة يوم الأربعاء الماضي (15 تشرين الثاني الجاري)، من أنّ "هناك توافق على الإسم المطروح لرئاسة الأركان"، وهي موافقة تقطع نصف المسافة في الطريق نحو الحلّ، ذلك أنّ تعيين رئيس للإركان (وهو من الحصّة الدرزية) الشاغر حالياً، يعني أنّ قيادة الجيش ستؤول إليه ـ وفقاً للقانون ـ في حال حصول فراغ على رأس القيادة العسكرية.
غير أنّ موقف الزعيم الدرزي وليد جنبلاط المتحفّظ بأن يتسلم درزي قيادة الجيش المحسوب من حصّة الطائفة المارونية، يعود إلى ارتفاع حساسية الموارنة ومرجعياتهم السّياسية والدينية من ذلك، خصوصاً بعد الفراغ الذي نشأ في موقع رئاسة الجمهورية وحاكمية مصرف لبنان، الأمر الذي سيعني في الأوساط المارونية أنّ جميع المراكز الأولى في الدولة المخصّصة لهم قد سكنها الفراغ.
إنطلاقاً من ذلك إقترح جنبلاط تعيين قائد جديد للجيش إذا كان غير ممكن تمديد ولاية قائده الحالي بسبب رفض التيار الوطني الحر ذلك، إلى جانب تعيين رئيس للأركان بما يُنهي مفاعيل الأزمة التي تقترب من أسوار المؤسّسة العسكرية، وهو طرح قدمه نجل جنبلاط النائب تيمور جنبلاط خلال زيارته رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل في البترون، قبل أيام، ويبدو أنّه إقتراح وجد تجاوباً مبدئياً من باسيل، لم يغب عنه حليفه الأبرز حزب الله، جرى فيه تجاوز تحفّظ البعض على تسمية قائد جديد للجيش، لأنّها تعني برأيّهم مصادرة صلاحيات رئيس الجمهورية المقبل.
نضوج الطبخة على هذا النحو جعل مطلعين يسرّبون إسم مدير المخابرات في الجيش العميد طوني قهوجي كقائد للجيش جرى التوافق عليه من بين عدة أسماء جرى طرحها لهذه الغاية، بانتظار أن يتم الإنتهاء من وضع اللمسات الأخيرة على المبادرة، وخروج الدخان الأبيض من السرايا الحكومي الكبير يوم الثلاثاء المقبل.
غير أنّ تعيين قائد جديد للجيش سيعني تلقائياً إغلاق الأبواب أمام طرح التمديد لمدير عام قوى الأمن الداخلي اللواء عماد عثمان الذي تنتهي ولايته في شهر أيّار المقبل، إذ أنّ نوّاباً وقيادات سياسية سنّية كانت تسعى وراء هذا التمديد على قاعدة المعاملة بالمثل بين جميع القيادات العسكرية والأمنية إذا جرى التمديد لقائد الجيش، لكنّ إعلان الوزير الحلبي بعد انتهاء جلسة الحكومة الأربعاء الماضي، بصفته وزيراً للإعلام بالوكالة، قطع الطريق على أيّ مسعى في هذا الإتجاه، عندما قال إنّه "على حدّ علمي ليس هناك شيء من هذا القبيل".