وفاء طربيه الام الممثلة التي لا تمثل الامومة عنفوان الدراما التاريخية والمودرن ونجمة قديرة بالفصحى والعامية ، بالصبا والشيخوخة
بقلم روبير فرنجيةلا تنجب الشاشات العربية كل موسم درامي كريمة المختار أو هدى سلطان في مصر أو منى واصف في سوريا أو وفاء طربيه في لبنان .
هي ابنة تنورين البترونية بل تنورين الفوقا ، في هذا الجرد أطلقت وفاء صرخة الحياة عام ١٩٤٢ في عائلة متماسكة أستهواها الفن والادب .
شقيقها المرحوم جورج طربيه الذي ترك إرثاً أدبياً وزوجها أنطوان الراعي الذي ترك لنا كنوزاً في الاذاعة والاعلام وابنها الزميل وليد صاحب الكف الاعلامي النظيف .
أم وليد هي أم باقات كبيرة من الممثلين والممثلات من أجيال مختلفة وان كان في العائلة وحيدها وحفيدها هما العقل والقلب ولعائلته التساعيات والنذورات والصلوات .
ابنة تنورين هي اليسار ملكة صور وهي ايضاً شهرزاد وكليوباترا وسلمى الحطاب أم نهلا راشد ( رلى حمادة ) في " نساء في العاصفة " .
مشت على دروب الفن منذ بواكيرها " أجمل ليالي شهرزاد " ولم تتعب لليوم من الادوار المركبة التي باتت أختصاصها .
تحترم ورق الكتاب وتحرص أن تنقل النصوص بحرفيتها كأنها آية من الانجيل المقدس أو صورة من القرآن الكريم .
ممنوع الاساءة للنص تحريفاً وتحويراً وتعديلاً وارتجالاً مع انها مثلت على الهواء مباشرةً عشر سنوات في بدايات تلفزيون لبنان .
وفاء طربيه شريرة وطيبة في أدوارها ، ظالمة ومظلومة ، فقيرة وثرية ، مستبدة ومقهورة ، صبية ومسنة ، ذكية وخرفانة ، ثرثارة وصامتة ، بورجوازية وخادمة ، جميلة الوجه ومشوهة .
صدق دموعها وغزارتها جعلها قدوة في دروس الاحساس زمن أصبحت فيه الممثلة تتكل على قطرة تسييل الدمع وعلى تلاوة النص مثل استظهار الصف الابتدائي .
كان المخرج الراحل انطوان ريمي حين يريد منها أن تتساقط دموعها يقول لها ممازحاً : " وفاء افتحي الحنفية " وفعلاً لم تخذلها هذه الحنفية يوماً .
ملتزمة في قضايا الوطن وفي السياسة وفي مواعيد التصوير .
قال لي المخرج فيليب أسمر في حوار اذاعي : كنا نصور في جزين وكان الطقس قارساً والمسافة بعيدة .
كنت أغضب حين أرى بعض الممثلين الشباب يتأخرون في الوصول وهم يمتلكون أحدث السيارات فيما وفاء التي لا تقود اليوم سيارة تصل أول ممثلة .
كنت ألحظ بعض الشباب يتأففون من البرد في المكان المهجور الذي نصور ويطالبون بالتدفئة فيما وفاء تفرك يديها وتحاول تهدئة خواطر المنتفضين قائلةً " عالشغل منحمى ومندفى " .
رأيتها مرة في يوم تصوير خارجي لمسلسل درامي تتدخل لفض اضراب أو انتفاضة ممثلين احتجاجاً على عدم تسديد أجورهم .
أذكر انها قالت لهم " كلنا لدينا مستحقات ولكن ليس من اللياقة تعطيل يوم تصوير " .
نجمة الجمهور لقبت في استفتاء اذاعي لكنها في الواقع كانت نجمة أخلاق في الوسط الفني .
حين اطلعت مرة على أجور الممثلات في أحد الاعمال الدرامية لعنت الظروف التي تجعل ممثلة مسنودة نجمة تتقاضى نصف الانتاج وممثلة من حجم وفاء طربيه تقول " أحببت النص ودوري كضيفة شرف وقلت للمنتج ليكن بدل اتعابي تسديد فاتورة اشتراك المولد الكهربائي .
المخرج والمنتج ايلي معلوف يعتبر حضورها في مسلسلاته بركات واسمها خميرة العمل ويحرص أن تكون في كل مسلسل .
كانت معه في عدد كبير من المسلسلات وان كان دورها " الضائعة بين الزهايمر والحكمة " في مسلسل " الارملة والشيطان " شكل علامة فارقة وجعل من اسمها مفارقة .
رافقت نجوم الغناء في أفلامهم ومسلسلاتهم فكانت مع صباح وسميرة توفيق وفهد بلان وسلوى القطريب وغيرهم .
لم تكثر من الاعمال السينمائية اذ أسندت قامتها على " صخرة حب " والقليل من المحطات على الشاشة الذهبية حتى " المشهد الاخير " .
في المسرح ايضاً لم تكن مطراً غزيراً بل مطراً ربيعياً من مسرح حسن علاء الدين شوشو الى مسرح الاب فادي تابت .
في ثورة الفلاحين الذي اعتبر ثورة ممثلين كانت صامتة تخترع اكسسوارات مشهدها حتى باخماد نار الشمعدان بأصابعها .
جدة اقطاعية في ثورة الفلاحين وجدة فقيرة في " متل القمر " في ثنائية " الختيار والختيارة " مع القدير عمر ميقاتي .
احترفت الصمت بأعمالها الاخيرة ودورها في " أم البنات" كانت نموذجاً للدور الصامت المحوري .
نوعت في أعمالها مع شركات الانتاج كثيراً فكما كانت مع " مروى غروب " في " وين كنتي " والدة مقهورة للممثلة رانيا عيسى وجدة الممثلة ستيفاني صليبا في " متل القمر " كانت مع شركة " ايغل فيلمز " في " ثورة الفلاحين " ومع شركة الصباح في " وأخيراً " .
احترفت الدبلجة وأعارت صوتها لنجمات من المكسيك واميركا اللاتينية ولشخصيات كرتونية .
أحبت الاذاعة بل أدمنت العمل الاذاعي من اذاعة لبنان الى صوت لبنان في انطلاقتها حيث كانت تبقى وراء الميكروفون ١٨ ساعة متواصلة دون أن يخطر ببالها انها كانت مؤهلة لدخول موسوعة غينيس بهذا المجهود وبهذا الصمود .
لم تهمل المجال الدعاية والاعلان اذ مثلت ثلاث اعلانات مصورة مقابل نحو ١٥٠٠ دعاية بالصوت .
كرمت ايقونة الامومة اللبنانية في الموركس دور مرتين عن مجمل أعمالها وكانت في اللجنة التحكيمية ، كما كرمت في مهرجان بياف ، وفي مهرجان الزمن الجميل بعد انضمامها الى لجنته .
حظيت بتمرينات كثيرة من زغرتا مع جمعية " متكبر سوا ٠ الى البترون في قافلة نساء رائدات الى عدد من المناطق اللبنانية وصولاً الى استراليا والكويت .
تبكي وفاء طربيه بحرقة على رفاق دربها الذين يرحلون ويتركون فراغاً بنفس الحرقة واللوعة التي بكت فيها شهداء انفجار مرفأ بيروت الذي طال بيتها ونحن منه بأعجوبة .
تبكي الفساد الدرامي دون أن تتنطق بكلام اتهامي بالاسماء .
تتحفظ وتحرص على الكرامات وترفض ان تهز عنفوان الفنان .
تتحسر على الماضي النظيف حين كانت الممثلة تصفع ممثلاً ان تمادى بمشهده الرومنسي خارج حدود الاداب وهي بطلة هذا الموقف ، فيما اليوم القبلات ومشاهد السرير والعناق سر نجاح اي مسلسل .
- هنا بعض العناوين البارزة في مسيرتها منذ منتصف ستينيات القرن الماضي الى اليوم :
- في التلفزيون : أجمل ليالي شهرزاد - مع الناس - امرؤ القيس - السراب - القضية رقم واحد - أبو فراس الحمداني - على طريق الشمس - ماري هاسكل حبيبة جبران - فارس ونجود - رحلت ذات صباح - سقوط زهرة البيلسان - أبو المراجل - العمياء - الكسيحة - المسلوله - نساء في العاصفة -عاشق الذهب - مدى العمر - طالبين القرب - بربر آغا - السراب - زرقاء اليمامة - ابنتي - خطايا صغيرة - الينابيع - شيء من القوة - الكوخ القديم - السر - غداً يوم آخر - بنت البواب - سكرتيرة بابا - المهاجرون - البواسل - المجنونة - للحب وجه آخر - صائمون ولكن - ثورة الفلاحين - وين كنتي - متل القمر - أم البنات ….
أما في الاعمال الكرتونية فصوتها يحفر في ذاكرة الطفولة في مغامرات زينة ونحول - نينجا المغامر - أبطال الجزيرة - سندباد - النسر الذهبي - ساندي وعشرات العناوين .