كهرباء لبنان وفواتير المؤسّسات العامة: ماذا إذا عجزت عن التسديد؟
عبد الكافي الصمدجرى تأجيل الأزمة ولم يتم التوصّل إلى حلّ لها. على هذا النحو رست الأمور بعدما أعلنت شركة كهرباء لبنان، في 27 تشرين الأول الجاري، أنّها ستعيد التيّار الكهربائي إلى الإدارات والمؤسسات العامة، وضمناً مصالح المياه، لكنها إشترطت عليها أن "تعمل خلال مهلة أقصاها شهر واحد فقط، وكحدّ أقصى، تسوية أوضاع فواتير الكهرباء المتوجبة عليها، وتسديدها نقداً في حساب شركة الكهرباء المفتوح لدى مصرف لبنان، وإلا سوف تضطر إلى قطع التيّار الكهربائي عن المتخلفين عن السداد من بينها، بعد انقصاء مهلة الشّهر هذه".
الأزمة كانت بدأت بشكل مفاجىء وغير مسبوق مطلع شهر تشرين الأوّل عندما حذّرت شركة كهرباء لبنان الإدارات والمؤسّسات العامة وضمناً مصالح المياه وسواها، وجوب تسديد فواتير الكهرباء تحت طائلة قطع التيّار الكهربائي عن المتخلفين عن السداد إعتباراً من 24 الجاري، وهو تحذير لم تتردد شركة الكهرباء في تنفيذه، عندما قطعت التيّار عن الإدارات والمؤسّسات، ومعها مصالح المياه، ما اثار ضجّة واسعة في البلد، وتحديداً في طرابلس، وتسبب في انقطاع المياه عن أقسام عدّة من المدينة وجوارها، وبعض مناطق قضاء الكورة، بعد توقّف مضخّات المياه عن العمل، الأمر الذي أثار ضجّة واسعة واعتراضات على قيام شركة الكهرباء بهذا التدبير الذي جاء في ظلّ وضع صعب يعاني منه المواطنون، ومن دون الأخذ بعين الإعتبار الظروف الصعبة التي يمرّون والبلد فيها.
ما حصل أوضحته مصادر مطلعة في مؤسسة مياه لبنان الشّمالي لموقع (06News) عندما أشارت إلى أنّه "تم قطع الكهرباء، صباح يوم الثلاثاء في 24 الجاري، عن جميع مضخّات المياه وجميع مواقع مؤسّسة المياه في طرابلس والكورة من قبل شركة كهرباء لبنان ـ قاديشا، والسبب أنّ للشركة ديون على المؤسسة، ما دفع المؤسسة إلى إرسال شيك مصرفي للشركة بما توافر لديها من أموال، فكانت النتيجة أن التيار الكهربائي أعيد لمدة ساعتين فقط، ومن ثم تم قطعه، وبعد المراجعات تبين بأنّ المسؤولين عن شركة الكهرباء يطالبون مؤسسة المياه أن تدفع المبالغ المتوجبة عليها نقداً، وأن توقع تعهداً بدفع هذه المبالغ على دفعات".
مصادر مؤسسة المياه أبدت "الأسف للتعاطي معها من قبل شركة الكهرباء بهذا الشكل، في ظل هذه الظروف الصعبة والأيام العصيبة التي يعيشها لبنان"، وكشفت بأن "شركة الكهرباء قد طلبت وضع تسعيرة جديدة للكمية التي تستهلكها مؤسسة المياه من الكهرباء من دون إعطاء أيّ تخفيضات لها، ليس لأنّها من كبار المستهلكين بل لأنها تؤمن المياه، وهي حق لكل مواطن تكفله الدساتير والشرعية الدولية بكل مندرجاتها"، مضيفة بأنه "إذا فرضت تسعيرة الكهرباء على المؤسسة كما تطرح الآن، بالتأكيد سيصبح كلفة الإشتراك السنوي للمياه حدّه الأدنى 30 مليون ليرة، بدلاً من 3 ملايين ليرة كما هي حالياً".
لكن بيان شركة كهرباء لبنان أوضح أنّه خلال الإجتماع الذي عُقد في 27 الجاري بدعوة من رئيس حكومة تصريف الأعمال وحضور الوزراء المعنيين، "تم تجديد الوعود بإيجاد الحلول الناجعة الكفيلة بتسديد هذه الفواتير، وهي تفوق عن شهر 11 و12 من العام 2022 مبلغ 14 مليون دولار"، كاشفة بأنّه "سيعقد إجتماع يوم الثلاثاء المقبل، 31 الجاري، في وزارة المالية مع المعنيين للبحث حول الإجراءات الآيلة لهذه الغاية"، مؤكّدة أنّ "الكهرباء هي سلعة ينبغي على الجميع دفع ثمنها وتسديد فواتيرها بانتظام، للإستمرار في تأمين التيّار الكهربائي".
غير أنّ بيان مؤسسة كهرباء لبنان إستدعى طرح بعض الأسئلة، أبرزها:
أولاً: لماذا إستفاقت شركة كهرباء لبنان اليوم على الطلب من المؤسسات والإدارت العامّة تسديد فواتير الكهرباء المتوجبة عليها، والضغط عليها، بعدما تجاهلت ذلك طيلة السنوات والعقود الماضية؟
ثانياً: تريد شركة كهرباء لبنان فرض تسعيرة جديدة لفواتير الكهرباء على المؤسّسات والإدارات العامّة، وضمناً مصالح المياه، ما يعني بأنّ هذه الجهات ستضطر إلى رفع أسعار خدماتها التي تقدمها للمواطنين أضعافاً، وهم الذين بأغلبيتهم يستطيعون تأمين قوت يومهم؟
ثالثاً: تتحدث الحكومة وجميع الجهات الرسمية وغير الرسمية، منذ أيّام، عن ضرورة وضع خطة طوارىء لاحتمال شنّ العدو الإسرائيلي إعتداءً على لبنان، فهل بهذا الإجراء الذي تتبعه شركة كهرباء لبنان يتم وضع الخطّة لمواجهة المخاطر الداهمة؟
رابعاً: على امتداد قرابة 3 عقود من الزمن أهدرت وزارة الطاقة وشركة كهرباء لبنان ما يزيد على 45 مليار دولار على قطاع ما يزال يقع تحت عجز، وغير منتج، فبدل أن تعمل شركة كهرباء لبنان على سدّ بؤر الفساد والهدر لديها، ومحاسبة من تسبّبوا بإهدار هذه المليارات بلا طائل، لجأت إلى الحل الأسهل، وهو المواطن، من أجل سدّ عجزها من جيبه.
خامساً: يفرض القانون العام نسقاً وترتيباً معيناً في التعامل بين الإدارات العامة، يحكمها ولا يمكن لأيّ جهة تجاوزه وخرقه، ومنها المعاملات المالية والإدارية بينها، التي تخضع لقانون عام، وبالتالي فإنّه لا يجوز لأيّ جهة رسمية، شركة الكهرباء مثلاً، تحديد أسعار خدماتها أو آلية قبضها مستحقاتها (عبر شيكات أو نقداً)، فهل أصبحت كلّ مؤسسة رسمية تعتبر نفسها دولة داخل الدولة .. وفوقها؟