إجراءاتٌ إحترازية للسّفارات والشّركات: مخاوف عادية أم مؤشّرٌ مقلق؟
عبد الكافي الصمدأسئلة مقلقة، تزايدت مع كلّ يوم وكلّ ساعة بعد عملية "طوفان الأقصى" التي نفّذتها الـــ مـــ قـــ اومة الفلسطينية في قطاع غـــ زة، طُرحت في مختلف الأوساط في أعقاب دعوات وجّهتها سفارات دول عربية وأجنبية إلى رعاياها في لبنان بضرورة مغادرته فوراً، فضلاً عن تحذيرها هؤلاء الرعايا والمواطنين إلى تجنّب زيارته، خشية توسّع رقعة الحرب الدائرة في غــــ زة إليه، بموازاة عمل هذه السّفارات على إجلاء عدداً من طواقمها مع عائلاتهم إلى خارج لبنان، إلى حدّ أنّ إحدى هذه السّفارات (البريطانية) قد نبّهت رعاياها بأنّ "الوضع لا يمكن التنبؤ به، ويمكن أن يتدهور من دون سابق إنذار".
واللافت في الأمر أنّ هذه الدعوات لم تقتصر على السّفارات فقط، إنّما إمتدت، وفق معلومات، إلى شركات ومؤسّسات إعلامية أجنبية لها مكاتب كبيرة في بيروت، طلبت من موظفيها تحضير أنفسهم للإنتقال إلى دول أخرى في المنطقة، من بينها الإمارات، مع الإبقاء على عدد محدود جدّاً من الموظفين في العاصمة اللبنانية.
وكشفت معلومات أنّ الأمن الخاص بالمنظمات الدولية العاملة في بيروت أعدّ خطّة لإجلاء الموظفين والعاملين في هذه المؤسّسات، بالتنسيق مع الجيش اللبناني، وبأنّ الجيش سيسمح لهؤلاء بإستعمال المطارات العسكرية والموانئ الصغيرة للخروج في حال إقفال مطار بيروت الدولي.
لكنّ هذه التدابير والإجراءات الإحترازية التي قامت بها سفارات ومؤسّسات أجنبية، خشية إتّساع رقعة الحرب والتوتر الأمني إلى لبنان، إمتدت أيضاً إلى شركات لبنانية، منها شركة "طيران الشرق الأوسط"، التي أفادت معلومات أنّه بعد إعلانها وضع خمساً من طائراتها الـ 24 في تركيا كإجراء إحترازي، فقد أخلت مطار بيروت من بعض المحتويات المهمّة، مع عمليات نقل لأوراق وملفات، وهي معلومات نفتها الشّركة في وقت لاحق، إنّما من غير أن يسهم ذلك في تخفيف حجم القلق السّائد من إمكانية تدحرج كرة الحرب إلى لبنان في الأيّام المقبلة.
هل يعني ذلك أنّ نيران الحرب الدائرة في غزّة قد اقتربت من لبنان، وأنّ التدابير التي اتخذتها سفارات وشركات مؤشّر يدلّ على أنّ الأمور سائرة في هذا الإتجاه، نظراً لما وصل إليها من تسريبات ومعلومات في هذا الصدد؟
الإجابة على هذا السؤال تتلخص في 3 نقاط، هي:
أولاً: لا يختلف إثنان أنّ لبنان بلدٌ غير مستقر أمنياً، لأسباب داخلية وخارجية، وعليه فإنّ أغلب دول العالم عندما تنشب حرب في المنطقة، أو يسودها توترٌ أمني تطلب من رعاياها مغادرته أو عدم التوجّه إليه، كإجراء إحترازي، من غير أنّ يعني ذلك أنّ نار الحرب ستمتد إليه لا محالة.
ثانياً: دائماً كان لبنان صدى لما يحصل في المنطقة، وكان يتفاعل مع الأحداث الجارية فيها على إختلافها، تضامناً أو إحتجاجاً، ومنها ما حصل مؤخّراً مع تحرّك الشّارع في لبنان تضامناً مع غزة، خصوصاً بعدما قصف الإســـ رائيـــ ليون المستشفى المعمداني في غـــ زة، وإرتكبوا فيه مجزرة سقط فيها مئات الشّــــ هــ داء، أعقب ذلك تظاهرات وتحرّكات إحتجاجية أمام عدد من السّفارات الغربية، ما دفع هذه السّفارات وحكوماتها إلى اتخاذ إجراءات إحترازية، كالتي اتخذتها، تخصّها وتخصّ رعاياها معاً، خشية خروج الأوضاع عن السيطرة.
ثالثاً: في ضوء إطالة أمد الحرب بعد دخول الـــ عـــ دوان الـــإســـ رائيـــ لي على غزّة يومه الـ14، والشّعار الذي رفعته قوى الـــ مـــ قـــ اومة عن "وحدة الساحات"، وتحرّكات على الارض تشير إلى تحضيرات قائمة على قدم وساق لاتساع رقعة الحرب خارج نطاق غـــ زة نحو مناطق أخرى، ومنها لبنان، والتقارير والمعلومات التي تشير إلى أنّه إذا لم تتوقف آلة الحرب الـــإســــ رائيــــ لية عن القتل والتدمير في غـــ زة، فإنّ كرة اللهب لن تقف عند حدود معينة، في ضوء تفاعل الشّارع اللبناني والعربي والإسلامي على نحو واسع مع قطاع غــــ زة والقضية الفلسطينية تضامناً ودعماً، ما يجعل السّفارات والشّركات العربية الغربية تستشعر الخطر مبكراً، وتتخذ هكذا خطوات قبل فوات الأوان.