"طوفان الأقصى" يقلب المعادلات: المستحيل ليس فلسطينياً
عبد الكافي الصمدقبل أقلّ من عقدين من الزمن خرج الـــأميــــ ن الـــ عـــ ام لـــ حـــــ زبــ الـــلــ ه الســـ يّـــ د حــ ســـ ن نـــ صــ ر الـــلــ ه على الجماهير التي احتشدت إحتفاءً بانتصار المــــ قـــ اومة على الـــ عـــ دو الإســـ رائيــــ لي بعد عـــ دوانـــ ه في تمّوز عام 2006 ليقول لهم إنّ "زمن الإنتصارات قد جاء، وزمن الهزائم قد ولّى".
قبل ذلك كانت بشائر الإنتصارات قد بدأت تلوح في الأفق القريب، وهي بدأت باندحار الـــ عـــ دو الإســـ رائيــــ لي عن الجنوب اللبناني وتحريره عام 2000، بعد مضي نحو 22 عاماً على احتلاله، ما فتح الباب واسعاً أمام تحقيق إنتصارات أخرى، والتطلع نحو مستقبل لا يخوض فيه جيش الـــإحتـــ لال أيّ حرب وكأنّها نزهة، وأن يُعربد في الأراضي العربية كما يشاء ويحلو له.
طيلة السّنوات اللاحقة كانت قوى المــــ قـــ اومة تراكم القدرات والخبرات، وتُسجّل في كلّ حين إنتصاراً على الـــ عـــ دو، إنْ لم يكن بالضربة القاضية فبالنقاط على الأقل، بشكل بدت الأمور معها وكأنّ هناك هدنة غير معلنة بين الطرفين على الأرض، لكنّ كلّ المؤشّرات كانت تنبىء أنّ كلّ ذلك ليس إلّا الهدوء الذي يسبق العاصفة.
في 7 تشرين الأوّل من العام 2023، وبعد مرور 50 عاماً على انتصار حرب 1973، هبّت عاصفة "طوفان الأقصى" التي لم يكن الــــ عـــ دو يتوقعها ولم يحسب لها أيّ حساب، فجرفت معها كلّ القوّة العسكرية التي لطالما تغنّى بها كيان الــــ عـــ دو، وتباهى بها على الآخرين من أنّه جيش لا يُقهر، وبأنّه يمتلك قوة عسكريّة هائلة قادرة على تدمير أيّ قوة تهاجمه، وسحقها، فإذا به كيانٌ "أوهن من بيت العنكبوت"، وأنّ إسقاطه أسهل ممّا يتوقعه كثيرون، فقط عندما تكون الضربة على قدر من القوة التي تصعق أيّ خصم فتفاجئه وتسقطه أرضاً من الضربة الأولى، فتنقلب معها المعادلات رأساً على عقب.
خلال السّنوات العشرين ونيّف التي أعقبت تحرير الجنوب كان محور المــــ قـــ اومة الممتد من غزّة إلى الضفّة الغربية وبيروت ودمشق وبغداد وطهران يراكم قدراته وخبراته، برغم الحصار الكبير الذي فُرض عليه، سياسياً وإقتصادياً وإعلامياً وشعبياً، وشنّ حملات تحريض واسعة ضده في بيئته ووسط شعبه، من أجل تأليب شرائح المواطنين المختلفة عليه، وتحميله مسؤولية تدهور الأوضاع الإقتصادية والمعيشية الصعبة التي تعانيها دوله، وبأنّ سلاح المــــ قـــ اومة هو السبب الرئيسي الذي يقف وراء أيّ مشكلة في دول هذا المحور، إلى جانب تصوير الخطاب المــــ قـــ اوم على أنّه خطاب خشبي وقديم عفا عليه الزمن، وتصوير الإستسلام على أنّه دخول هذه الدول وشعوبها في مجالات التقدم والعصرنة والحداثة.
خلال هذه الفترة كان الصراع في الحدائق الخلفية وراء خطوط المواجهة أشدّ قوة وفتكاً، سياسياً وإقتصادياً ومالياً وإعلامياً وثقافياً ومعيشياً وإجتماعياً، وهو صراعٌ تبيّن مع الوقت أنّ محور المقاومة لا يملك ـ
لأسباب مختلفة أدواته، ولا إمكانات المواجهة فيه، سواء كان الأمر لضعف ونقص في أدوات المواجهة، أو الخبرة في استخدامها، فكان يعمل ويواجه وكأنّه يحفر الجبل بإبرة، مدركاً أنّ لا سبيل آخر له، مستنداً إلى عوامل عديدة يمتلكه، أهمها القدرة على الصمود في وجه الهجمات عليه، وعدم الإنهيار، وزيادة القدرات العسكرية واللوجستية لديه، وهو ما أظهرته عملية "طوفان الأقصى" على نحو واضح، إذ أظهرت أنّ هذا المحور يمتلك نفساً طويلاً يساعده في أيّ مواجهة مع الـــ عـــ دو، وصولاً إلى هزيمته.
فما تحقق في 7 تشرين الأوّل 2023 يُعدّ إنجازاً غير مسبوق منذ 50 عاماً، وحوّل حلم دحر العدو وهزيمته إلى حقيقة، بعدما ظنّ البعض أنّ ذلك مجرد سراب وأضغاث أحلام، وترك في أوساط شعوب المحور وامتداد العالمين العربي والإسلامي، والعالم، شعوراً بأنّ المستحيل ليس فلسطينياً ولا عربياً ولا إسلامياً، ولا يمكن له أنْ يقيم في هذه المنطقة طويلاً، وأنّ إستعادة الأرض والحقوق والكرامة تقف على مرمى حجر.