قراءة في إنتخابات المجلس الشّرعي: بيت سنّي بمنازل كثيرة
02 تشرين الأول 2023

قراءة في إنتخابات المجلس الشّرعي: بيت سنّي بمنازل كثيرة

عبد الكافي الصمد

لعلّ أبلغ وصف يمكن أن يُطلق عن ما أسفرت عنه نتائج إنتخابات المجلس الشّرعي الإسلامي الأعلى، التي جرت يوم الأحد في الأوّل من شهر تشرين الأوّل الجاري، هو أنّه "خرج من قبضة الجميع، إنّما من غير أن يقبض عليه أحد".

فقد كشفت النتائج أنّ المجلس الملّي للطّائفة السنّية خرج، للمرّة الأولى منذ أكثر من عقد ونيّف، من تحت عباءة تيّار المستقبل، الذي كانت له اليد الطولى فيه والتأثير الأكبر عليه منذ أيّام الرئيس الراحل رفيق الحريري ولاحقاً الرئيس سعد الحريري، إنّما من غير أن يلتحف بعباءة أحد من القوى والمرجعيات السّياسيّة السنّية التي تقاسمت كعكته.

فالتيّار الأزرق الذي كان مهيمناً في دورات إنتخابية سابقة على المجلس نتيجة فوز أغلبية أعضاء محسوبين عليه أو حلفاء له، إكتفى هذه المرّة بأن حافظ على وجوده فيه، مع تراجع لافت في حجم تمثيله فيه، وهو تراجع جاء نتيجة طبيعية لإنسحاب الرئيس سعد الحريري وتيّاره الأزرق من "المشهد السّياسي" في البلاد، والخلافات الداخلية بين أجنحته، والصراع المكبوت مع الرئيس فؤاد السنيورة الذي كان يخرج إلى العلن مع كلّ إستحقاق مماثل، وصولاً إلى الإصطدام بمفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان بعد ابتعاده عن قواعد "الزرق".

إصطدام دريان بالمستقبل لم ينبع من خلاف على الأحجام والنفوذ فقط وسط الطائفة السنّية، ولا داخل المجلس الشرعي، إنّما تعلّق الأمر بسعي المفتي، بإيعاز سعودي ودعم مباشر من المملكة، إلى تصدّر الواجهة داخل الطائفة السنّية، مستغلاً إنسحاب الحريري وبقية أعضاء نادي رؤساء الحكومات السّابقين (فؤاد السنيورة، تمّام سلام وحسّان دياب) ورئيس الحكومة الحالي نجيب ميقاتي من الحياة السياسية، تباعاً، واقتصار الشّخصيات السنّية البارزة على زعامات محلية ومناطقية وليست وطنية.

لكن حساب بيدر دريان لم يُطابق حساب نتائج إنتخابات المجلس الشّرعي، إذ جاءت نتائجه وتحديداً في دائرة مدينة بيروت لتثبت أنّ المفتي لم ينجح في مسعاه كما كان يأمل، بالرغم من محاولات عدّة بذلها عبر تدخله في الإنتخابات أثمرت في أماكن وفشلت في أخرى، خصوصاً بما يتعلق بإقصاء ما أمكن من أعضاء رفضوا التمديد له، ومفتيي المناطق منعاً لبروز أحدهم ومنافسته على استقطاب السّاحة السنّية سياسياً ودينياً.

وفي حين أصابت بعض القوى والشّخصيات السّياسية السنّية نجاحاً في إنتخابات المجلس الشّرعي، وفشلت أخرى في مسعاها، فإنّ ملامح المجلس الجديد تشير إلى وجود تنوّع واسع فيه، لا يعود طبعاً إلى حرص المفتي والمرجعيات السّياسية على هذا التنوّع، بل لأنّها لم تستطع أن تقوم بأكثر من ذلك، في مرحلة تعاني فيها الطائفة السنّية، لأسباب عديدة، من إحباط وتقوقع وانقسام وتراجع في حجم صورة التمثيل السياسي، نيابياً ووزارياً، غير مسبوق.

مشهد "الموزاييك" هذا الذي أسفرت عنه نتائج إنتخابات المجلس الشّرعي، من خلال توزّع إعضائه على مختلف القوى والشّخصيات السّياسية، جعل المجلس يبدو خليطاً غير منسجم في الشّكل والجوهر معاً، الأمر الذي يُخشى معه أن يؤدي إلى بروز وتفاقم الخلافات والتباينات داخل المجلس في المرحلة المقبلة ويدفع نحو شلّه، وأن "ينغّص" ذلك على المفتي دريان فترة زمنية قد لا تنتهي إلا بانتهاء فترة التمديد له.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
النتائج الرسمية للإنتخابات في كلّ المناطق

كشفت نتائج انتخابات المجلس الشرعي الاسلامي الاعلى عن فوز 24 عضوا، موزعين على المناطق كالتالي:
ـ عن محافظة بيروت: محمد مكاوي، وسيم المغربل، زياد الصاحب، عبد الحميد التقي، مازن شربجي، طلال بيضون، عبد الله شاهين وفؤاد زرّاد.
ـ عن محافظة الشمال: فايز سيف، بلال بركة، أحمد عبد الأمين، مظهر الحموي، أسامة طراد، منذر حمزة ووائل زمرلي.
ـ عن محافظة عكار: كفاح الكسار.
ـ عن محافظة جبل لبنان: رئيف عبدالله وحمزة شرف الدين.
ـ عن محافظة البقاع: محمد العجمي ويونس عبد الرزاق.
ـ عن قضاء صيدا (تزكية): عبد الحليم الزين، موفق الروّاس وفايز بعاصيري.
ـ عن قضاءَي حاصبيا ومرجعيون (تزكية): نزيه حمد.
ويُنتظر أن يُعيّن المفتي دريان خلال أيّام 8 أعضاء في المجلس، يُخوّله القانون ذلك، على أن يكون من بينهم، عُرفاً، نائب رئيس المجلس من طرابلس، وأن يكون شخصية مدنية. ولم يعد خافياً أنّ النائب السابق سمير الجسر سيكون خلفاً لنائب رئيس المجلس السّابق الوزير السّابق عمر مسقاوي.

Add to Home screen
This app can be installed in your home screen