مؤشّران خطيران على إنهيار لبنان: هل فات أوان الإنقاذ؟
عبد الكافي الصمدموقفان بالغا الخطورة ويعبّران عن دقّة المرحلة التي يمرّ بها لبنان هذه الفترة، أدلى بهما كلّ من وزير الداخلية القبرصي كونستانتينوس يوانو وأمير قطر تميم بن حمد آل ثاني، على التوالي، نسفا كلّ نسب التفاؤل الضئيلة التي كان اللبنانيون يبنون عليها الآمال بالخروج من النفق، كالقشّة التي يتعلق بها الغريق.
التصريح الذي أدلى به يوانو متعلق بالنّازحين السّوريين المنتشرين في دول الجوار، ويوضح بشكل ملموس حجم القلق الكبير الذي ينتاب القبارصة، ومعهم معظم دول أوروبا، خوفاً من تدفّق موجات من النّازحين السّوريين إلى القارة العجوز، عندما قال إنّه سيحاول إقناع الإتحاد الأوروبي والأمم المتحدة "بإنهاء وضع سوريا كدولة غير آمنة لا يمكن إعادة النازحين إليها"، تمهيداً لإعادتهم، أو إعادة قسم منهم أو من يرغب بالعودة إلى مناطق آمنة ومعيّنة في سوريا، ما يعني أمرين: الأوّل دفع دول الإتحاد الأوروبي إلى التواصل والتنسيق مع حكومة دمشق من أجل معالجة مشكلة النّازحين، وتسهيل عودتهم؛ والثاني أنّ عودة النّازحين تستدعي تقديم دول الإتحاد الأوروبي مساعدات إلى الحكومة السّورية لمساعدتها على استقبال النازحين العائدين إلى بلادهم، أو رفع الحصار الغربي المضروب عليها كي تستطيع سوريا تحمّل تبعات وأعباء هذه العودة.
لكن إلى أن يتحقق ذلك، وهو أمر ما يزال بعيد المنال لأنّه يواجه عقبات ومواقف رافضة من دول أوروبية ومن الولايات المتحدة، فإنّ الخشية وفق وزير الداخلية القبرصي تكمن أن يتحوّل لبنان إلى موقعٍ مفضلٍ لانطلاق موجات النزوح السّوري باتجاه أوروبا، خصوصاً بعد تزايد موجات النزوح السّوري مجدّداً نحو لبنان، وبشكل غير قانوني عبر المعابر غير الشرعية، ما حوّل لبنان، حتى الآن، إلى "حاجز" وفق قول المسؤول القبرصي، لكنّ هذا الحاجز أو السدّ، "إذا ما انهار، فستواجه أوروبا بأكملها مشكلة"، على حد قوله.
إنهيار لبنان، أو الحاجز والسدّ الأخير، سيعني بكلّ بساطة أنّ موجات النزوح السّوري، ومعها موجات نزوح لبنانيين وفلسطينيين وغيرهم، ستتدفق في البحر بلا توقف، وستغرق شواطىء الدول الأوروبية بآلاف النّازحين المتوجّهين إليها، سواء بسبب الحروب في المنطقة، أو نتيجة الأوضاع الإقتصادية والمعيشية الصعبة، عدا عن غرق قسم كبير منهم في عرض البحر قبل وصوله إلى الشواطىء الأوروبية.
هذا الخوف من إنهيار الحاجز أو السدّ الأخير شارك الوزير القبرصي فيه أمير قطر، الذي حذّر بعد أيّام قليلة من تصريح يوانو، في كلمة ألقاها من على منبر الأمم المتحدة خلال إنعقاد دورتها السنوية، بعدما رأى أنّ "الخطر أصبح يُحدق بمؤسسات الدولة في لبنان"، وداعياً إلى "حلول سريعة تنقذ لبنان من الأزمة وضرورة إيجاد حلّ للفراغ الرئاسي، وضرورة تشكيل حكومة قادرة على تلبية آمال الشعب اللبناني".
وليس خافياً أنّ "الخطر المحدق" بمؤسّسات الدولة في لبنان، وفق قول الشيخ تميم، أو "إنهيار الحاجز الأخير" على حدّ تعبير الوزير القبرصي، هو الفراغ الذي تتسع دائرته في كلّ يوم مثل بقعة الزيت، ويُهدّد بشلّ مؤسّسات الدولة وانهيارها تباعاً، من رئاسة الجمهورية إلى الحكومة ومجلس النوّاب ومصرف لبنان، وصولاً إلى المؤسّسات العسكرية والأمنية، وبالتالي تحوّل لبنان إلى دولة منهارة وفاشلة.
ما سبق، إذا ما تحقّق، يعني أن سواحل لبنان ستتحوّل إلى مناطق "فالتة" بكلّ معنى الكلمة، وخصوصاً في الشّمال (طرابلس والمنية وعكّار تحديداً)، الذي تنطلق منه كلّ أسبوع تقريباً قوارب هجرة غير شرعية تحمل نازحين سوريين وغيرهم، أو يتم العثور فيها على قوارب هجرة غير شرعية يجري تجهيزها لهذا الغرض، كما حصل قبل أيّام في المنية، وهو خطر قد يدفع الأوربيين والأميركيين، قبل وبعد إستشعارهم الخطر، إلى العمل قبل المسؤولين اللبنانيين على منع إنهيار مؤسّسات الدولة أو الحاجز الأخير، حرصاً أولاً على مصالحهم وأمنهم قبل أي اعتبار آخر، في ظل غياب وتقاعس وعجز المسؤولين اللبنانيين عن القيام بدورهم وتحملهم أعباء ومسؤوليات بلدهم، لا بل ومساهمة بعضهم في فشله وانهياره.