التمديد لدريان ومفتيي المناطق: قرارٌ سعودي في وجه الحريري
عبد الكافي الصمدأقلّ من 3 ساعات كانت المدّة الفاصلة بين إعلان مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ عبد اللطيف دريان، على لسان مكتبه الإعلامي، عن رفضه "رفضاً قاطعاً أن يُطرح في جلسة المجلس الشّرعي الإسلامي الأعلى، من خارج جدول الأعمال، مشروع إقتراح تعديل المادة السّادسة من المرسوم الإشتراعي رقم 18/1955 لتمديد ولايته لمرة واحدة، لحين بلوغه سنّ السّادسة والسّبعين، وبين إقرار المجلس في مستهلّ جلسته التي عقدها السّبت الماضي، في 9 أيلول الجاري، تعديل المادة المذكورة، إضافة إلى تعديل المادة الرابعة من القرار 50 للعام 1996 المتعلقة بمدة ولاية مفتيي المناطق حتى بلوغهم سنّ الثانية والسّبعين.
قرار التمديد لدريان ومفتيي المناطق، الذي جاء مفاجئاً، أحدث صدمة في مختلف الأوساط السنّية، السّياسية والدّينية والشّعبية على حدّ سواء، وطرح تساؤلات عدّة، وأظهر نقاطاً للبحث والنقاش، من أبرزها ما يلي:
أولاً: ما إنْ أصدر المجلس الملّي للطّائفة السنّية قراره حتى سأل كثيرون، أبرزهم معترّضون على التمديد لدريان والمفتين، عن مدى قانونية الجلسة، واحتمال الطعن بها، ليس لأنّها خالفت فقط النظام الداخلي لعمل المجلس، بل لأنّ نصابها القانوني كان مفقوداً.
إذ ينصّ النّظام الداخلي للمجلس الشّرعي الإسلامي الأعلى أنّ أيّ جلسة من هذا القبيل يُفترض أن يحضرها 75 في المئة من أعضائه على الأقل لتكون قانونية، وهم موزّعين كالتالي: 32 عضواً (24 منتخبون و8 يعينهم المفتي)، والمفتي العامل (دريان)، ورئيس الحكومة العامل (نجيب ميقاتي) ورؤساء الحكومات السّابقين (وهم: سليم الحص، فؤاد السنيورة، سعد الحريري، تمّام سلام وحسّان دياب)، وإذا ما تم إسقاط إسم عضو المجلس عبد الإله ميقاتي نظراً لوفاته، فإنّ العدد يصبح 38 عضواً، أيّ يفترض أن يحضر 29 عضواً ليكون النصاب قانونياً، وهو ما لم يحصل، لأنّ الأعضاء الذي حضروا الإجتماع كانوا 26 عضواً فقط.
ثانياً: أتى التمديد للمفتي دريان ومفتيي المناطق قبل 21 يوماً من الإنتخابات المرتقبة للمجلس الشّرعي الإسلامي الأعلى في الأوّل من شهر تشرين الأوّل المقبل، ما طرح أسئلة حول لماذا لم يتم التمديد للمجلس الحالي طالما التمديد إنسحب على الجميع في أعلى الهرم، وما جدوى إجراء الإنتخابات في هذه الحال، أم أنّ إجراء الإنتخابات يهدف بالمقام الأوّل إلى التأثير على نتائجها وجعلها تصبّ لمصلحة طرف على حساب أطراف أخرى، وبالتالي الإمساك بزمام المجلس الشّرعي في دورته المقبلة لأهداف وغايات تختلط فيها الأمور الدينية للطائفة السنّية بالأدوار والأحجام السّياسية؟
ثالثاً: برغم نفيه التدخّل في قرار التمديد للمفتي دريان ومفتيي المناطق، فإنّ لمسات الرئيس فؤاد السنيورة كان واضحة المعالم على القرار. فالذين تحرّكوا في هذا الإتجاه، وعملوا على إقرار التمديد، سرّاً وبهدوء وبعيداً عن الضوضاء والإعلام، يدورون في فلك السنيورة الذي ليس خافياً أنّه يملك تأثيراً على أغلب أعضاء المجلس أكثر من الرئيس سعد الحريري وتيّار المستقبل، وحتى أكثر من رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي نفسه.
رابعاً: ظهر بوضوح أنّ قرار التمديد للمفتي دريان ومفتيي المناطق هو قرار سعودي محض، ويهدف إلى ضرب أكثر من عصفور بحجر واحد. أولاً وضع المرجعية الدّينية للطائفة السنّية في عهدة وحضن المملكة دون غيرها. ثانياً سحب ورقة الإمساك بهذه المرجعية من يدي تيّار المستقبل والحريري، في خطوة بدت بأنّها تهدف إلى المزيد من "تحجيم" الحريري وتيّاره في المرحلة المقبلة. ثالثاً إعادة ترتيب البيت السنّي في لبنان برعاية السّعودية، التي رأت أنّ هذا الترتيب لا يستقيم إلا من خلال دار الفتوى، فكانت الخطوة الأولى في هذا المسار من خلال هذه الدار تحديداً.
خامساً: لا شكّ أنّ قرار التمديد سيترك آثاره على إنتخابات المجلس، وفي تشكيل اللوائح والتحالفات، وصولاً إلى النتائج. وقد ظهر ذلك جليّاً من خلال الإرباك الذي ساد في أوساط المرشّحين وداعميهم من القوى السّياسية، في تأخير إعلان التحالفات واللوائح، بعدما تسبّب قرار التمديد في خلط الأوراق.