عكار: المياه ملوثة والانتاج الزراعي بخطر
ليليان رجب
أعاد وباء "الكوليرا"، والحديث عن تسجيل الاصابة الأولى في محافظة عكار، تسليط الضوء على مصادر المياه ومدى مطابقتها للمواصفات الصحية، خصوصا بعد أن أظهرت الفحوص المخبرية التي أجرتها وزارة الصحة أن الكثير من مصادر المياه ملوثة وغير صالحة للاستخدام، فضلا عن مخاوف المزارعين وهواجسهم بسبب إمتناع المواطنين عن تناول الخضروات التي تزرع في سهل عكار وتروى بمياه الأنهر.
بحت أصوات العكاريين، وهم يطالبون برفع التلوث عن مجاري الأنهر الرئيسة في عكار ، (الأسطوان، عرقا، بقرزلا، النهر الكبير الجنوبي)، فالأنهر التي كانت مقصدا للزوار خلال فصل الصيف بهدف الاستمتاع بمياهها العذبة باتت بؤرة للتلوث، تتسبب في كل موسم صيف بمئات الحالات من التسمم الجرثومي الناتج عن وصل شبكات الصرف الصحي الى مجاري الأنهر.
لم تفلح البلديات والاتحادات، ومعها الجمعيات المدنية والمنظمات الدولية، بالقيام بأي مشاريع من شأنها رفع التلوث عن مصادر المياه والتي تفاقمت عقب أزمة النزوح السوري في العام 2011، والانتشار العشوائي للمخيمات، وبالرغم من تقديم عشرات المشاريع الى المنظمات الدولية والجهات الممولة للنازحين السوريين والذين وعدوا بتنفيذ مشاريع للمجتمعات المحلية المستضيفة الا أن أيا منها لم يبصر النور، وبقيت جميعها قرقعة من دون طحين!
"ما يهمنا هو تأمين لقمة العيش، ونحن نقوم بري المزروعات بمياه الأنهر، إضافة الى مياه ري البارد"، يقول المزارع حسن المحمد من سهل عكار، ويضيف: "لم يسمح لنا بالحصول على رخصة لبئر إرتوازي ولا خيارات أمامنا ولكن حتى الآبار الارتوازية ملوثة بسبب إختلاطها بمياه الصرف الصحي، وبنتيجة هذا الأمر لم تعد المنتجات الزراعية تجد أسواقا لتصريفها خوفا من التلوث،مع العلم أنغالبية أهالي عكار يعتمدون على الزراعة في معيشتهم اليومية ولكن أحدا لا يلتفت الينا".
من جهته، يؤكد رئيس اتحاد بلديات الشفت رئيس بلدية منيارةأنطون عبود "أنكل مجاري الأنهر والينابيع والآبار ملوثة، إذ تصب فيها مياه الصرف الصحي سواء كانت منزلية، صناعية أوتابعة للمراكز الاستشفائية"، لافتا الى "أن 90 % من المياه التي يستخدمها المزارعين لري أراضيهم ملوثة، والأخطر من ذلك، يتم غسل الحشائش قبل توزيعها على الأسواق بمياه ملوّثة".وطالب عبود، المعنيين بالتحرك سريعا لمراقبة المياه التي يستخدمها أصحاب المؤسسات والمزارعين، مشددا على أن المسؤولية تقع بالدرجة الأولى على البلديات قبل المنظمات والجمعيات، ودعا الجميع للعمل سويا والاتحاد لرفع الصرف الصحي عن مجاري الأنهر".
زياد، رب أسرة ومزارع، يتحدثعن معاناته التي تعكس واقع حالغالبية سكان عكار وأوجاعهم: "نحن لا نستخدم مياه نظيفة، ونعاني من أمراض جلدية وحبوب ملتهبة، بالإضافة الى أوجاع في البطن والإسهال، وسمعة منتوجاتنا الزراعية سيئة، حتى المنتجات الحيوانية المنزلية تراجع إستهلاكهابعد أن كان الناس يتزاحمون على المنتج البلدي، باتوا يفضلون المنتجات الحيوانية المعلبة، لأنها على حد تعبيرهم أكثر أمانا".
لم تكن عكار يوما، أولوية لدى الحكومات المتعاقبة، التي لم تكلف نفسها عناء الالتفات لحاجات المحافظة الأكثر حرمانا في لبنان، كما لم تفلح البلديات والاتحادات في إيجاد الحلول الناجعة يوم أتخمت صناديقها بالأموال، فكيف الحال في زمن الانهيار؟ أما المؤسسات الدولية، فهي سارعت لنفض يدها من كل وعودها السابقة بحجة أزمة أوكرانيا وتحويل المساعدات الى الدول الأخرى، لتتحمل عكار وزر النازحين باللحم الحي، وليتحمل المزارعون فشل السياسيات الحكومية. وليبقى أطفالها وفقراؤها عرضة للأمراض والأوبئة في مآسٍ تتكرر في فصول متشابهة.