رسوم صادمة في المدارس الرسمية: لا تعليم للفقراء
عبد الكافي الصمدكالصّدمة نزل القرار رقم 88 بتاريخ 16 آب 2023 الصادر عن وزير التربية والتعليم العالي في حكومة تصريف الأعمال عبّاس الحلبي، لجهة فرضه رسوماً جديدة على نحو 40 ألف طالب في التعليم المهني الرسمي للعام الدراسي المقبل 2023 ـ 2024، وهي رسوم إرتفعت 14 ضعفاً مقارنة بالعام الدراسي الذي إنقضى.
لكن ما كاد الطلّاب وأهاليهم يخرجون من الصّدمة حتى بدأت الصرخة ترتفع إعتراضاً على رفع تكلفة الرسوم المفروضة عليهم هذا العام، وأولى هذه الصّرخات إرتفعت من طرابلس، وهي تتضمن رسوماً إضافية من دون أيّ مسوّغات قانونية، علماً أنّ معظم الرسوم لا تذهب إلى دعم صناديق المعاهد والطلّاب والأساتذة، بل تنتهي على الأغلب لمنافع شخصية.
وحسب القرار، فإنّ رسوم التكميلية المهنية باتت 8 ملايين و80 ألف ليرة لبنانية بدلاً من 580 ألفاً، والثانوية المهنية 10 ملايين و78 ألف ليرة بدلاً من 745 ألفاً، والإمتياز الفنّي 13 مليوناً و80 ألف ليرة بدلاً من 905 آلاف، والإجازة الفنّية والمشرف الفنّي - ماستر 14 مليوناً و440 ألف ليرة بدلاً من 985 ألفاً.
هذا القرار جاء بعد أسابيع قليلة من إنتهاء عام دراسي فاحت منه روائح فضائح مالية بالجملة والمفرّق، أبرزها "إبتلاع" بؤر الفساد أموال جهات مانحة لم تصل إلى من كان يفترض أن تصل إليهم، وهم الطلّاب، وضياعها في دهاليز الفساد والبيروقراطية إلى جانب المحاصصة والزبائنية، وتبخّر وعود أعطيت للعاملين في قطاع التعليم الرسمي بإعطائهم تعويضات مالية أتت إليهم من جهات مانحة خارجية، ما جعل العام الدراسي الماضي ينتهي بشكل مشوّه، ويُهدّد العام الدراسي المقبل بالتعثّر قبل إنطلاقه.
ويبدو أنّ الفساد الذي رافق العام الدراسي الماضي مستمر في العام الدراسي المقبل، وهو ما تأكّد في قرار وزير التربية بخصوص رسوم التسجيل في المعاهد الفنّية، إذ فرض القرار على الطالب دفع 150 ألف ليرة لشراء الأدوات الرياضية، وتمويل لجنة رياضية غير معروفة مهامها بـ 150 ألف ليرة، في حين للمفارقة إنّ غالبية المعاهد المهنية الرسمية تفتقر إلى ملاعب رياضية، ونادراً ما تكون فيها حصص رياضية.
القرار المذكور فتح الباب أمام أسئلة كثيرة حول إذا كانت زيادة رسوم التسجيل في المعاهد الفنّية الرسمية ستتسع وتشمل، في مرحلة لاحقة، رسوم التسجيل في المدارس والثانويات الرسمية، وبعد ذلك في الجامعة اللبنانية، وهل ستكون بالنسبة ذاتها وهي 14 ضعفاً، أم أكثر أو أقل، وهل أنّها ستمرّ وتُنفّذ بلا اعتراضات عليها في الشارع، وكيف ستؤمّن العائلات الفقيرة وذات الدخول المتدنية رسوماً بهذا الحجم لتسجيل أولادها، وأين هو قرار التعليم المجاني الذي أُقر وبقي حبراً على ورق؟
بعد أقلّ من أسبوع على قرار وزير التربية رفع رسوم التسجيل في المعاهد الفنّية الرسمية، خرجت أولى الأصوات المعارضة من طرابلس من خلال اعتصام نُفّذ أمام مقرّ المنطقة التربوية، حيث اعتبر المعتصمون القرار بأنّه "مجزرة" بحقّ الطلاب، وأنّه "مجحف وظالم".
خلال الإعتصام برزت نقطتان: الأولى عندما سأل أحد المعتصمين: "عندي 6 أولاد كيف أستطيع تأمين مبلغ يزيد على 60 مليون ليرة رسوم تسجيل لهم، عدا عن تأمين الكتب والقرطاسية والنقليات، وأنا بالكاد قادرعلى تأمين الأكل والشرب لهم"، مضيفاً: "هل أبقيهم في البيت أو أرميهم في الشّارع؟"، ما ينذر بأزمة إجتماعية ـ تربوية بالغة الخطورة في الأسابيع المقبلة.
أمّا النقطة الثانية فتمثلت في تلويح بعض المعتصمين بأنّه "لن نسمح للمدارس الخاصة بأن تفتح أبوابها، ويتعلم أبناء الأغنياء، إذا لم يتعلم أبناء الفقراء في المدارس الرسمية"، داعين وزير التربية إلى "التراجع عن قراره"، ما أعطى إشارة إلى أنّ خريفاً تربوياً ساخناً يقف على الأبواب، وينذر بأنّ الآتي أعظم.